خطوة مهمة خطاها الشاعر والمترجم العراقي غريب اسكندر بترجمته لمجموعة قصائد الشاعر الكاريبي "ديريك والكوت"، لأن هذه الخطوة تعزز الحوار بين الثقافات عبر العالم، وتتيح للقارئ العربي فرصة جيدة للاطلاع على "تجربة شعرية غنية أداها أكبر شعراء الحداثة الأحياء"، كما وصفته صحيفة "ذا صنداي تايمز" في ملحقها الأدبي والفني.
يشير اسكندر في مقدمته للقصائد إلى أن أغلبها ينتمي إلى ديوان الشاعر "البلشون الأبيض"، وهو ديوان حظي بتقريظ النقاد وحاز على جائزة تي أس إيليوت عام 2010.
وحسب المقدمة: "امتدحت آن ستيفنسون، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة والكوت لبراعته الشعرية والتقنية".
اسكندر أشار أيضاً إلى مبادرته في وضع عناوين بعض القصائد الخالية من العنوان، وكشف عن الثيمة المهيمنة على تجربة والكوت ألا وهي الزمن، مثل قصيدته التي يقول فيها "تعلن الجزيرة عن نفسها تماماً/بحافاتها الداكنة ووديانها/بظلالها العميقة وطريقها المتعرجة/التي تربط قرى الصيد/بالزبد الأبيض الصامت للأمواج الطويلة المتكسرة/على طول الساحل حيث النوارس تصطف كسهم/ باتجاه المرفأ الواسع".
والكوت الفائز بجائزة نوبل عام 1992 للأدب، استيقظ مؤخراً على نبأ احتلاله كرسي الشعر كبروفيسور متخصص في هذا النوع الأدبي الصعب، وخريجو أوكسفورد سيكونون تلامذة فخورين لأن أستاذاً مثل ولكوت سيعلمهم ماهية الشعر وأصوله ومعانيه، أكاديمياً، وسينضم إلى لائحة العظماء الذين سبقوه طيلة ثلاثمئة عام من عمر الجامعة من أمثال دبليو أتش أودن وماثيو أرنولد وروبرت غريفس وشيموس هايني. لكن ولكوت سحب ترشيحه لذلك المنصب، في اللحظة الأخيرة، متذرعاً بالدرجة والقانون الذي يحكم الجامعة وعدم رغبته في أن يكون جزءاً من هذه المؤسسة، ووصفه بعضهم بأن عبقريته لا غبار عليها، لكن سلوكه الأخلاقي ينم عن أقذر الشعراء في حياته العاطفية، إثر تلك الفضيحة.
كانت ثمرة ذلك أن نشر ديريك أول مجموعة شعرية له ودفع ثمن نشرها بنقود استدانها من أمه، وكانت تتألف من خمس وعشرين قصيدة، وهو في الثامنة عشرة من عمره..ثم ألّف مسرحيته الأولى بعد عامين من ذلك..وهذان الكتابان المبكران يثمنان كطبعتين نادرتين تستحقان آلاف الجنيهات.
أما ما يخص تجربته الإبداعية فتتميز بتداخل الشعر والمسرح، أو بوجود تلك الأصوات الدرامية في النص الشعري، وتظهر ليس التأثيرات الهوميرية حسب، بل تأثيرات دانتي وفيرجيل.
تحاورت وتجادلت لغتان حارتان وديناميكيتان في نص ولكوت: اللغة المحلية التي شكلته شاباً وتمكنت من ذاكرته التعبيرية واللغة الانكليزية الممتازة التي أغنته لغة ثانية، فكان شعوره بأنه "مستعمر" لغوياً.
بقيت معضلة اللغة وطناً شعرياً ملتبساً لدى ولكوت، لكن الالتباس بدلاً من أن يكون عائقاً صار سؤالاً ثقافياً عليه أن يبحث عن إجابة له في سائر أعماله وحياته الإبداعية، ليتوصل في النهاية إلى أن الشعر مساحة تعبيرية فوق اللغات تستوعب طاقات البشر جمالياً وفلسفياً، وتسترشد بأممية الشوق الإنساني الذي لا يعرف الحدود، رغم أن والكوت اكتوى بالحنين إلى الوطن "المالح" حيث "تلك حال القلب عندما يعود إلى الوطن/يحاول الالتصاق بكل ما اعد عنه/فالأشياء المالحة تزيد، فقط، عطشه". (من قصيدته "قطتاك").
غريب اسكندر، مترجماً، مخلص للغتين، الأصلية وللعربية، وعلى اتصال ملحوظ بالشعر المكتوب بالإنكليزية، وأكاديمي دؤوب في ميدان الدراسات الشعرية والترجمة، وله دواوين شعرية عدة، وكتب مترجمة.
ملوحة الوطن تزيد القلب عطشاً
[post-views]
نشر في: 5 سبتمبر, 2016: 09:01 م