TOP

جريدة المدى > تقارير عالمية > كتاب في حلقات (3): الانهيار.. قصة الآمال العريضة والفرص الضائعة في العراق

كتاب في حلقات (3): الانهيار.. قصة الآمال العريضة والفرص الضائعة في العراق

نشر في: 8 سبتمبر, 2016: 12:01 ص

تطوّعت إيما سكاي لتعمل كموظفة مدنية في حكومة سلطة الائتلاف فوجدت نفسها تحكم محافظة كركوك. بعد ذلك أنهت ثلاث جولات من العمل في العراق  لغاية الإنسحاب الأميركي عام 2011. حيث عملت كمستشارة سياسية للجنرال أوديرنو والجنرال بيترايوس. تسرد إيما في هذا

تطوّعت إيما سكاي لتعمل كموظفة مدنية في حكومة سلطة الائتلاف فوجدت نفسها تحكم محافظة كركوك. بعد ذلك أنهت ثلاث جولات من العمل في العراق  لغاية الإنسحاب الأميركي عام 2011. حيث عملت كمستشارة سياسية للجنرال أوديرنو والجنرال بيترايوس. تسرد إيما في هذا الكتاب قصّة الآمال التي توقعها العالم والشعب العراقي وحتى بعض الأميركيين لمستقبل العراق بعد إزاحة نظام صدام، لكن ما حدث على أرض الواقع كان غرقاً في مستنقعٍ من العنف والإرهاب وحرب الآخرين على الأرض العراقية.
تروي في هذه التسجيلات تفاصيل الأحداث الجسام التي رافقت نشوء الدولة العراقية وتشكّلها بعد عام 2003. كيف سارت؟..؟وكيف برزت الأسماء المحلية؟ وكيف اختفت أسماء أخرى؟. ومن هي الأيادي التي كانت توجّه السياسة العراقية وبناء الدولة؟
هذا الكتاب يسرد القصة من الداخل. من مكاتب الجنرالات الأميركيين مرّة ومن مكتب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مرّة أخرى. ومن اجتماعات السياسيين والشركات التي يفترض بها إعادة اعمار العراق ايضاً.
هو كتابٌ وصفته مجلة نيويوركر الأميركية بأنه "يشرح كيف إنهار كلّ شيء في العراق"، واعتبرته صحيفة الغارديان البريطانية "أداة لا غنى عنها لفهم خلفية هذا الفشل في العراق"، وهو في الأصل "يوميات ممتازة وسريعة الخطى تعتمد كلياً على ذكريات "إيما"، كما  قالت مجلة فورين أفيرز الاميركية.

كانت رحلتنا الأولى من أربيل الى السليمانية، حيث ركبت الطائرة المروحية لأول مرّة وكنت مرعوبة حقاً أن أسقط منها. في السليمانية اجتمع الأكراد بأعداد غفيرة للترحيب بنا، يحملون الورود ويلوّحون بالقبلات. وكانوا يحملون لافتات توجه الشكر للأميركيين على تحريرهم للأراضي الكردية. أما الطريق داخل المدينة فقد شهد انتشاراً كثيفاً على جانبيه لجنود(البيشمركة)، وهم المقاتلون الأكراد الذين قاتلوا الى جانب قوات التحالف. كنت أرافق السفير بريمر في طريقه للقاء جلال طالباني، وهو زعيم حزب الإتحاد الوطني الكردستاني(PUK) وقتها.
في ذلك اللقاء، تحدّث بريمر بكثير من التفاؤل والحماس. وقد كان يناقش لحظتها تشكيل مجلس الحُكم العراقي الذي سيتشكل من خمس وعشرين شخصية عراقية مختلفة، تمثل كل المجتمعات والمناطق المختلفة التي يضمّها العراق.
وتحدث بريمر يومها أيضاً عن تشكيل مجموعة تتولى مهام كتابة دستور للعراق، ثم يجري نشر المسوّدة والنقاش فيها في مختلف الأوساط، وأخيراً يجري عرضها على الإستفتاء العام من أجل العمل بها. وحالما يقرّ الدستور شعبياً، فإنه سيفتح الطريق أمام إجراء إنتخابات حرّة، تسمح للعراقيين بأن يختاروا مُمثليهم. وبعد ذلك اللقاء طِرنا ثانية الى بلدة(سره رش) وهي مقر مسعود بارزاني حيث كان لنا معه نقاش مماثل،  بارزاني هو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني(PDK)وهو الفصيل الكردي الرئيسي الثاني. وخلال مأدبة الغداء أشار اليّ بريمر أن أجلس الى جانبه وفي قبالة بارزاني. كان يشير إليّ خلال الكلام على أنني الواصلة حديثاً الى العراق. قبلها سألني عن عملي السابق وما أنجزته، ذكرت له عن فلسطين وإسرائيل، وعن محاربة الفقر، وعن المساعدة في تأسيس العدالة الانتقالية في كل مكان سبق لي أن عملت فيه حول العالم. وسار الحوار الى أن وصل الى ذكرى الرابع من تموز، لحظتها نظر إليّ كل من بارزاني وبريمر فأجبت:"إننا كبريطانيين نتمنى لكلّ مستعمراتنا السابقة الازدهار الذي شهدته الولايات المتحدة"؛ وأجاب الإثنان بابتسامة, لكني سألت نفسي، كيف أمكن للأقدار أن تجعلني هنا لأكون جزءاً من الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة للعراق.
بعدها إحتفلنا بيوم الرابع من تموز- يوم الاستقلال الأميركي- عند شواطئ بحيرة دوكان. كانت بحيرة دوكان هي الأعظم في منطقة كردستان، تشكّلت عند مقدمة سدّ تم بناؤه في الخمسينيات من القرن الماضي. ووقفت عند شاطئ البحيرة أشاهد الغروب الهادئ للشمس خلف الجبال. وأخذت الموسيقى تعزف النشيد الوطني الأميركي(راية النجوم المتلألئة). ثم ألقى برهم صالح، وهو نائب زعيم حزب الإتحاد الوطني كلمة أثنى فيها على الجهود الأميركية، وقال فيها:" نحن الكرد، تعوّدنا أن نقول إن لدينا صديق واحد وهو الجبل، لكن هذه لم تعد الحقيقة كلها، فإن لدينا أصدقاء آخرون ايضاً". بعد ذلك قضيت الأمسية في منزل برهم صالح أطالع واحدة من أهم مقتنياته، كان قد حصل على البوم للصور يخصّ صدام وعائلته. الألبوم يظهر فيه صور صدام الأب مع أطفاله، أو صدام كمزارعٍ في الحديقة ويرتدي البيجاما، أو صدام وهو يأخذ قيلولة. فخلال عمليات السرقة والنهب التي حصلت في بغداد، وبطريقة ما جاء أحدهم بالألبوم ليضعه بيد برهم صالح. ولاحقاً في تلك الليلة بدأ الأكراد في الرقص الشعبي حول حوض مائي في حلقة، وانضمّ اليهم بعض العسكريين الأميركيين وبعض المدنيين وكنت أنا من بينهم.
وفي وقت لاحق من الأمسية، أشار لي أحدهم الى ضابطٍ يجلس في زاوية ويخوض نقاشاً جاداً مع جنود آخرين، كان ذلك هو العقيد مايفيل(Mayville)، وهو قائد القوّة العسكرية الأميركية المسؤولة عن كركوك. وقبل يومٍ من التحاقي بالعمل في إدارة تلك المدينة، عرفتُ أنه كان يناقش في تلك الأمسية عملية عسكرية لملاحقة مجموعة مسلّحة خططت لاغتيال الشخص الذي عيّنه مايفيل على إدارة المدينة، ولاحقاً عرفت أن هذه المجموعة المسلّحة كانت تنتمي الى فرقة من القوات الخاصّة التركية.
في اليوم التالي ركبنا الطائرة المروحية للذهاب الى كركوك، وحين أغلقت أبواب الطائرة شعرت بأمان وموثوقية وقررت الّا أربط جميع الأحزمة التي يفترض ربطها حول جسمي، ففي المرّة الأخيرة تركت علامات على ملابسي، وخلال الرحلة قامت المروحية بالتفافة عنيفة وكانت الباب مفتوحة، وإذا بي أدفع من مكاني باتجاه السقوط، لولا تشبثي بالمقعد من أجل حياتي. كانت صرخاتي ضائعة ولا يسمعها أحد، لأن صوت المروحية يفوق كل شيء. وحين عادت المروحية الى وضعها الأفقي المستقيم، كنت منحشرة بين ركبتي باتجاه الأرضية. ولما هبطنا في مهبط الطائرات في كركوك، كنت أرتعش تماماً. هنا سأمارس دوري كممثلة للحاكم بريمر في هذه المحافظة وبعنوان كبير، (منسقة الحاكم لشؤون محافظة كركوك) .
في مانشستر قبل الحرب
قبل أربعة شهور، وحين بدأت طبول الحرب تُسمع في كل مكان من العالم، كنت في زيارةٍ الى الولايات المتحدة. وهناك وقفت عند قاعدة برجي التجارة العالميين الذين انهارا خلال هجمات 11 أيلول. كان من السّهل فهم الانعكاس الذي خلّفه هذا الهجوم على الأميركيين، وكيف تركهم غاضبين، وهم يشعرون بأنهم مكشوفي الجناح، وراغبين بالانتقام. ومع هذا، فقد كان القلّة منهم، من الذين تحدثت معهم راغبين بالحرب على العراق، ولم يروا أي ربط بين العراق واعتداءآت 11 ايلول.
في ذلك الوقت، كنت في الخامسة والثلاثين من العمر، وكنت مستقرّة بالسّكن في مدينة مانشستر. حينها كنت أعمل في (المجلس الثقافي البريطاني) كمستشارة في شؤون الحوكمة والعدالة. وقتها عملت على عدد كبير من المبادرات، تنوّعت من عملية إصلاح السجون في البرازيل، الى تحقيق مؤسسات العدالة في نيجيريا، الى مواضيع حقوق الإنسان في بنغلادش والى قضايا العنف ضد المرأة في الأردن. لقد اكتسبت خبرة في العمل ضمن بيئات مختلفة، وبلدان متنوعة ثقافياً وجغرافياً. وخلال أحداث 11 أيلول ،كنت في القاهرة أعمل على برامج تقوية منظمات حقوق الإنسان المستقلة. ومن خلال التلفزيون في غرفتي بالفندق كنت أتابع انهيار برجي التجارة في ذلك اليوم، ومن خلال تغطية شبكةCNN الإخبارية.
كنت اتلمس نوعاً من البهجة في القاهرة نتيجة هذا الهجوم؛ لسان الحال يقول:"على الأقل ستتلقى الولايات المتحدة جُرعة مما تسقيه للآخرين"، أو إن "الشيطان الأكبر" يذوق اليوم الألم الذي منحه للآخرين حول العالم. في تلك الليلة التي قضيت أمسيتها في عوّامة على ضفاف النيل، شعرت بأن العالم لم يعد نفس العالم الذي نعرفه.
وفي المجلس الثقافي البريطاني، شرعت في المشاركة بإعداد دراسة لمعرفة مصادر الكراهية والعدائية التي تتوجه وتتطور بالضّد من الغرب. كما شاركت في إعداد سيناريو تصوّري لما سيكون عليه شكل العالم إذا ما دخلت كل من بريطانيا والولايات المتحدة في الحرب ضد العراق. كان موقفي معارض للحرب بوضوح، وأحمل شكوكاً حول شرعيتها والأهداف التي تقف بالخلف منها. كان صدام واحداً من أكبر الأوغاد على وجه الأرض، لكني لم أكن مؤمنة بوجود صلة بين تنظيم القاعدة ونظامه. كنت أخشى أن تتعرض المنطقة العربية الى إذلال جديد على يد احتلال جديد، الأمر الذي قد تستغله القاعدة وبن لادن من أجل تجنيد المزيد من الأتباع الى التنظيمات الإرهابية.
كنت أسمّي هذه الحرب بأنها"حملة صليبية أخرى"، ستتسبب في تشظي العراق وإطلاق حروب اقليمية جديدة. وكنت قد اتخذت قراراً، فيما لو وقعت الحرب على العراق، فإني سأجد طريقة للعمل هناك، وتقديم الاعتذار للشعب العراقي عبر هذا العمل، وعبر مساعدتهم على بناء بلدهم. هذا الأمر لم يكن غريباً عند من يعرفني؛ كان هذا القرار هو بالضبط ما يمكن أن أفعله ويصدر عنّي.
نشأتي الأولى
لقد ولدت في لندن عام 1968. وانفصل أبواي عن بعضهما حينما كان لي من العمر شهر واحد. وترعرعت وأنا لا عرف والدي، قيل لي إنه كان يهودياً من عائلة هاجرت الى بريطانيا قادمة من شرقي أوروبا. وجدت أمي عملاً لها كمدبرة منزل مقيمة في منزل مستخدميها، وعقدتِ العزم على أن توفر لي تعليماً جيداً. وحين أصبحت في الرابعة من عمري، انتقلت والدتي للعمل كمسؤولة تدبير في بلدة آشفولد(Ashfold)، في مدرسة ابتدائية داخلية للبنين تتخذ من قصر قديم مقراً لها. القصر تتبعه أرض خضراء تربو مساحتها على ثلاثين أكراً في ضواحي أوكسفورد. كنّا نسكن في غرفة في الطابق العلوي. وحين أصبحت في السابعة من عمري، قبلتني المدرسة كضيفة عليها.كنت واحدة من خمس فتيات فقط تم قبولهن بهذه الطريقة. لقد كانت تجربة رائعة، أتذكر كيف إننا كنّا نتجمع جلوساً على الأرض لمشاهدة الأفلام السينمائية القديمة التي تتحدث عن الحرب. وأتذكر كيف كنّا نلعب لعبة الهرب من سجن الأعداء، والتخفي في الغابة بين الأشجار خلال الليل. ثم الوصول الى العلم الخاص بالفريق، وهو علامة الفوز.
وعندما كنت في العاشرة من عمري، ارتبطت والدتي بعلاقة حب مع مدرّس يعمل في ذات المدرسة، كان يصغرها بعشر سنوات. ترك زوجته وأطفاله ورحل بنا الى شمالي آيرلندا، حيث أقمنا في مدرسة كانت تبدو مثل السجن، كنت أحنّ الى آشفولد وأيامي فيها يومياً. وبعد سنة، عدنا الى إنكلترا حيث حصل زوج أمي على عمل في مدرسة ابتدائية للأولاد في (أولد رايد) وكنت أحضر الدروس فيها، طبعاً كنتُ الفتاة الوحيدة فيها. لقد كانت تجربة مذهلة، أن أتعامل مع الصبيان المشاغبين الذين لا يريدون لفتاة أن"تلوث!"مدرستهم الخالصة للبنين. لكني كنت المتفوّقة دراسياً عليهم. وفي سن الثالثة عشرة، فزت بمنحة دراسية ستأخذني الى مدرسة تخصصية في تشيلتنهام(Cheltenham). تفوّقت في تلك المدرسة، وبرزت أكاديمياً والتحقت بفصيل التلاميذ الحربيين. كان لدي- ولأول مرّة في حياتي - صديقات من الفتيات. لكني تمرّدت على التعليمات واللوائح في السّنة الأخيرة، وجرى تعليق دراستي نتيجة تلك التصرفات. أبلغتني المديرة حينها- وكانت مسيحية أنجيليكانية- بأنني قد ضيعت حياتي. وخرجت من تلك المدرسة وأنا أحمل شكوكاً عميقة تجاه المؤسسات الدينية والدين كمؤسسة بصورة عامة.
وخلال سنة من الفراغ بعد تركي للمدرسة، سافرت للعمل كمتطوّعة في مستوطنة كفار ميناحيم(Kfar Menachem) في إسرائيل. هناك عشت أياماً من الحرية بطعم آخر. كانت حافلة بالنقاشات حول العلمانية والإشتراكية. وتدخين الحشيش حول نار المساء في المخيم، نتجادل في معاني الحياة. كنّا نتحلّق لسماع راديو السلام والحرية - كان يبث من مكان ما في شرق المتوسط- يدعو الى"رفض المزيد من الحروب، ورفض المزيد من إراقة الدماء". كنّا لا نتخيل المجتمع المثالي فقط، إنما نحاول كشباب أن نعيشه بالفعل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"إسرائيل" ترفض الانسحاب الكلي من لبنان وبري يعارض الشروط

بارزاني: "قسد" لا تمثل الأكراد كافة

مقتل طالب في كلية الشرطة بهجوم مسلح

الصدر: عهداً ووعداً لن نحيد عن التمهيد والإصلاح ما حيينا

مركز الفلك الدولي يحدد الاول من شهر رمضان المبارك

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

 ترجمة / المدى في الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع واحتياجات النازحين والمهجرين في العراق مقلقة وغير ثابتة عقب حالات العودة التي بدأت في العام 2018، فإن خطة برنامج الأغذية العالمي (FAO )...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram