يبدأ فيلم (اسمي مريم) بمشهد وثائقي ، تتجلى فيه قوة وتعبيرية الوثيقة في السياق العام للفيلم. ولعل مخرجَي الفيلم يقدمان هنا درساً بليغاً لزملائهما الذين سبق وان استثمروا وثائق التغطيات الإخبارية التي تبثها الفضائيات في أفلامهم بشكل مبالغ فيه حد تجريد الفيلم من مقوماته الفنية ، وجعل الوثيقة بجمودها هي التي تقرر سير العمل أو نهجه ، فالإقناع الفني وليس الحقيقة المطلقة هو مايحدد نجاح او إخفاق الفيلم.
مخرجا الفيلم من بين وثائق كثيرة متوفرة بثتها وسائل الاتصال المختلفة اختارا ما ينتظم معه البناء الدرامي، بل ويكمله. يعني أن ترتقي الوثيقة إلى مستوى الدراما، لا أن تجنح الدراما إلى مستوى الوثيقة..ونجحا كثيراً في جانب تبني الوثيقة والتحرر منها في الوقت ذاته. ويحسب لصناع هذا الفيلم انهم قدموا دراما استندت إلى الوثيقة بمهارة.
ففي فيلم "اسمي مريم"، كان اختيار اللقطات الوثائقية على درجة عالية من الحرص في توظيفها في البناء السردي، حيث اختُصر الكثير من الأحداث التي لايتحملها زمن الفيلم القصير.
في المشهد الاستهلالي، نحن أمام لقطات لسقوط مدينة الموصل على يد داعش ، لقطات معبرة، سرعان ما تنتقل الى معلّق في سيارة يرصد ويشرح ما يحدث أمامه من مأساة – قد يكون صحفيا - ، حيث التواجد المهين لعناصر داعش في مفاصل المدينة بعد احتلالها ، وبالتأكيد خطورة المكان ... وقطع ذو دلالة لاثنين من عناصر التنظيم وهم يقرأون خطابهم الذي يلخص بشكل عام رسالة هذا التنظيم : " .. و الله الذي لا إله إلا هو .. لا يقام شرع الله إلا بالسلاح " .
وبلقطات أخرى لاتخرج عن مضمون اللقطات السابقة يكون المتلقي مهيّئاً للحكاية التي سيسردها الفيلم، حيث تأخذنا الكاميرا إلى كنيسة في الموصل -2014- تحت الاحتلال لنكون بمواجهة فتاة نفهم أنها في صراع مع الحدث، والمكان والآخر العدو .. إنها مريم التي يلف جسدها السواد.. وهي تلهج بالدعاء، بانتظار صديقتها المسلمة التي ستساعدها بما تحضره لها في عملية هروبها من هذا الواقع الذي فرض عليها ، ونحن نستمع إلى حوار المذياع الذي يهدد أبناء قومها ، ثم لقطات موثقة لحديث بعض أبناء الموصل عن معاناتهم مع هذا التنظيم.. بعدها تبدأ رحلتها إلى حيث الحرية .. رحلة نتوقعها رحلة (إيثاكية)* ستواجه فيها كم المصاعب وربما الموت ، كما في أية رحلة نحو الخلاص.. وتوثق مريم هذه الرحلة صوتاً وصورةً لتكون شهادة حيّة عن المأساة .. لكن مخرجَي الفيلم يكتفيان باختصار هذه الرحلة القدرية ،رحلة مريم نحو الحرية بمشهد لمريم وهي تستريح من عناء الرحلة عند أنقاض إحدى البنايات في بغداد ..
مخرجا الفيلم ملاك عبد علي وصفاء نجم استطاعا ان يقدما فيلماً عن فكرة هي تلخيص لعمق مأساة الوطن، ولكن بمعالجة ذكية استثمرت الوثيقة في إغناء هذه الفكرة. بفيلم مقتصد في كل شيء ابتداءً من انتقاء اللقطات الوثائقية وليس انتهاءً بالممثلين ومروراً بالحوار .
* إيثاكا موطن أوليس الأسطوري حيث وصلها بعد رحلة مضنية لينتقم من ملكها.
اسمي مريم رهانُ الوثيقة
[post-views]
نشر في: 7 سبتمبر, 2016: 03:36 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...