كان في الخامسة عشرة من عمره حين بعث بخطاب الى الكاتب المسرحي الشهير هنريك أبسن يعلن فيه ولاءه المطلق له ، قبلها بعام كان يحدث شقيقه الأكبر عن هوسه بملحمة هوميروس الشهيرة "الأوديسة" ، وفي محاولة منه لتقليد الشاعر اليوناني الأعم
كان في الخامسة عشرة من عمره حين بعث بخطاب الى الكاتب المسرحي الشهير هنريك أبسن يعلن فيه ولاءه المطلق له ، قبلها بعام كان يحدث شقيقه الأكبر عن هوسه بملحمة هوميروس الشهيرة "الأوديسة" ، وفي محاولة منه لتقليد الشاعر اليوناني الأعمى كتب قصيدة أسماها "محنة هوميروس" . في الانكليزية يبدأ محاولاته الاولى في كتابة الشعر ، في تلك الفترة كان يقرأ لملتون وييتس الذي سيلتقي معه بعد سنوات فيجد فيه عجوزاً ثرثاراً حين طلب منه الاشتراك في النضال في سبيل القضية الايرلندية ، فيما بعد سيكتشف شكسبير ودستويفيسكي ، ويحدث شقيقه عن حلمه في تجاوز هذين الكاتبين ، إلا أن العائلة الكبيرة العدد البائسة الحظ مادياً كانت تأمل في ان يساعدها الابن المصاب بقصور في البصر ، بعد ان يحصل على شهادة الطب ، فقد كان هو اكبر عشرة اطفال لموظف الضرائب جون ستانيسلاوس جويس . بعد سنوات يجرب حظه في النقد فيصدر وهو في الثامنة عشرة دراسة عن أبسن نال عليها اول مكافأة مالية في حياته مكنته من ان يقوم بسفرة الى لندن ،للعمل في احد المصارف الصغيرة . وبعد سنتين، حين أنهكه العمل الوظيفي ، يرسل الى شقيقه رسالة يخبره فيها انه بصدد تحقيق حلمه الأدبي حيث انتهى من كتابة قصة قصيرة بعنوان "يوليسيس" سيضمها الى مجموعته القصصية "أهل دبلن". ويمر عام والمجموعة القصصية تنتظر الطبع ، سأله شقيقه عن مصير قصة يوليسيس ، فأخبره بأنها لم تتعد مرحلة العنوان بعد ، وانه سيكتبها في حال تحسن ظروفه المعيشية وايضا ظروفه الصحية .
كان قد بلغ الثانية والعشرين من عمره ، ينهض باكراً كل صباح ليذهب الى العمل ، ويعود منهكاً فيستريح لساعة او ساعتين ثم يبدأ الكتابة ، مرت السنوات ثقيلة ورتيبة في لندن ، فقرر ان يعود الى دبلن بعد ان علم بمرض أمه الخطير ، في هذه الأثناء يقع في حب نورا باناكل، فتاة فقيرة تعمل في احد الفنادق ، فيتزوجها ويقرر ان يأخذها ويسافرا الى روما حيث عمل هناك مدرساً ، ليعيش أتعس خمس سنوات في حياته من الناحية المادية ، لكنها كانت غزيرة من ناحية الإنتاج الأدبي ، أصدر خلالها مجموعته القصصية "أهل دبلن" ، واعاد كتابة "ستيفن بطلاً" لتصدر تحت عنوان آخر "صورة الفنان في شبابه".
في العام 1914 يبدأ التأليف الفعلي لروايته الأضخم "يوليسيس" ويخبر شقيقه انه قرر التوسع بالقصة القصيرة ليجعل منها رواية تحكي جزءاً من سيرته الذاتية ، وان يجعل من تجوال بطله في أنحاء دبلن أشبه برحلة يوليسيس الأصلي عبر البحر الأبيض المتوسط ، ولكن من دون ان تتسم بالتقليد والمحاكاة : "إنها رواية وليست ملحمة أريد أن أناطح بها دستويفيسكي"، هكذا قال لزوجته وهو ينهي الفصل الاول من الرواية.
************
تبدأ أحداث يوليسيس ، في الساعة الثامنة من صباح السادس عشر من حزيران عام 1904 ، صعد "بَك مليكن" السُلّم العتيق حاملاً دورقاً مملوءاً برغوة الصابون وعلبة مرآة وسكين حلاقة ، وبعد لحظات انضم إليه "ستيفن ديدالوس" - الذي هو جيميس جويس نفسه ويتكرر في معظم اعماله - وصعد قمة السُلّم وتأمل خليج دبلن. وعندما اخذ مليكن يتحدث عن جمال البحر وانعكاس شُعاع الشمس، لاحت لستيفن ذكرى والدته فجأة، فقد دُعي للعودة من باريس قبل وفاتها بعام. واسترجع ذكراها حينما كانت تتوسّل إليه للدعاء لها، لكنه قابل إلحاحها بالرفض .
كان ستيفن معلماً، ولأنه كان يوما حاراً ، فقد كان الصِبية ضجرين، إلا أن أحد طلبته الصغار كان عاجزاً عن حل المسائل الحسابية البسيطة، وللحظات، رأى ستيفن صورة طفولته الحرجة في ذاك الصبي. وتنفس الصعداء عندما أنهى الدرس وأذن بالانصراف.
يذهب ستيفن ليتجول على الشاطئ وحيداً، ويفكر بماضيه وأمسه، بهوايته للأدب وبأيام دراسته، وتعاسته في دبلن، وعوزه المادي، وغرق أسرته في الفقر الشديد ، وأصرار والده على ارتياد حانات دبلن بشكل يومي.
وفي تلك الأثناء، ينهض ليبولد بلوم من فراشه متثاقلًا ليُعدّ إفطار زوجته. بلوم الذي يعمل مسوّقًا للإعلانات، يتسم بصبره على زوجته ، حيث كان يعلم بعلاقتها الغرامية بمنسق حفلاتها - هذه الاحداث مطابقة لحياة جيميس جويس الذي يتشاجر مع احد اصدقائه حين يخبره انه كان على علاقة قديمة مع زوجته نورا - يتناول بلوم إفطاره ويقرأ برقية من ابنته ، التي تعمل في متجر للتصوير. استرجع على إثرها ذكرى ابنه رودي، الذي وافته المنية وهو وليد يبلغ من العمر أحد عشر يوماً. وأعاد بلوم قراءة البرقية مُتسائلًا عن طالب شاب ذكرته ليلي، وللحظة، جزع خوفاً من أن تسير ابنته على خطى والدتها.
خرج بلوم للتنزه كعادته الصباحيّة، وتوقف عند مكتب البريد لاستلام برقية مُرسلة من سيّدة يُظهر توقيعها بأن اسمها مارثا. عاد بلوم إلى منزله واستهل قراءة البرقية،. ذهب بعد ذلك وهو ضجر إلى الكنيسة ليستمع إلى جزء من القداس، ثم ينضم إلى جماعة تشيّع صديقاً قديماً، يُدعي بادي ديغنام، توفَّي متأثراً بسكتة. وأثناء المأتم، تأمّل بلوم الأب كوفي، الذي بدوره أعاد إليه ذكرى نجله الصغير رودي ثانيةً، ووالده الذي كان ضحية انتحار.
أمّا بالنسبة ليومه العملي، فقد كان يجري مكالمة في المكتب الصحافي ليُنسق لطباعة إعلانٍ ما، وبينما كان يمضي وقته هناك رأى ستيفن وتبادلا النظرات، إلا أنهما لم يحاولا التحدث معاً. غادر بلوم مبنى الصحافة متجهاً إلى النهر، وصادف السيدة برين في طريقه ووصف لها باقتضاب ما جرى في المأتم ، وحدثته هي عن السيدة بورفوي التي قضت الليل معها في مستشفى للولادة. واصل بلوم مسيره، متأملًا دبلن في يومٍ صيفي، فدخل احدى الحانات وطلب أفطاراً. وذهب لاحقاً إلى المكتبة الوطنية للاطلاع على ملفات بعض الصحف. ، هناك يلتقي بمليكن وبعض الأصدقاء الأدباء فيحدثهم عن نظريته حول مسرحيات شكسبير، بعدها يذهب بلوم إلى فندق أرموند ليتناول الغداء، ويرى ستيفن دادايلوس يخرج مسرعاً ، لكنه لم يتحدث اليه . وفي ظهيرة ذلك اليوم اشتبك بلوم في نزاع في إحدى الحانات، حول المال الوفير الذي ربحه بليز بويلان نتيجة فوزه في مباراة ملاكمة. هرب بلوم من ضجيج الزحام وذهب يتمشى على الشاطئ ، مع حلول العصر شاهد بلوم الفتاة غيرتاي ماكدويل، ثم قرر الرحيل بطلوع القمر، وارتأى له أن يقف لحظات عند المستشفى ليسأل عن السيدة بورفوي. وأثناء مشيه بتباطؤ على امتداد الساحل ، يتذكر بأن زوجته تخونه كل يوم بينما هو سارح في أحلام يقظته، يتأمل دبلن وشاطئها. وصل بلوم إلى المستشفى وعلم بأن السيدة بورفوي لم تلد بعد. ومرة أخرى رأى ستيفن هناك، يشرب برفقة بَك مليكن وبعض طلبة الطب، ينضم بلوم لهم ليذهبوا معاً إلى حانة قريبة، هناك يحصل شجار بين ستيفن ومليكن وهما في حالة سكر شديد حول أحقية امتلاك مفتاح البرج القديم ، يتركهم ستيفن ليذهب مع احد طلبته إلى بيت دعارة في أحد الأحياء الفقيرة في دبلن، يتبعهما بلوم ، ليفاجأ بلوم بزوجته في وضعية مُخلة، ومقرفة . وفجأة في الناحية الأخرى، توهجت لدى ستيفن ذكرى والدته وهي على فراش الموت ، تتوسل إليه بأن يدعو لها، ليخرج وهو يركض لاهثاً بين الشوارع ويصادف جُنديين بريطانيين فيشتبك معهما في عراك ، حتى يخلّصه بلوم ويصطحبه معه إلى المنزل.
مُتأثراً ومُنهكاً بليلته الكالحة، راح ستيفن دايداليوس يتحدث عن العلم والفن، وتوّسل بلوم إلى ستيفن بأن يبيت تلك الليلة معه في المنزل وأن يتخلى عن بَك بمليكن ورفاقه المنحرفين ويأتي للعيش معه، إلا أن ستيفن يرفض، ويخرج في عتمة الليل وسكونه الذي لا يقطعه سوى صوت أجراس كنيسة سانت جورج.
أما بلوم فقد ذهب إلى فراشه متثاقلًا، وعندما أخذه النعاس قال لزوجته بلهجة حادّة بأن عليها أن تستيقظ باكراً لتُعدّ إفطاره. بينما بقيت الزوجة مستيقظة طوال الليل تسرح بأفكارها عن عشيقها، وتفكر بغموض الجسد البشري وتعقيداته، وبالناس الذين عرفتهم مدى حياتها، ، وبينما هي غارقة بأفكارها سمعت صوت صفارة القطار ، وارتسم لها ماضيها وعُشاقها القدماء، وعلاقتها الغرامية ببلوم قبل الزواج. تدفقت تلك الذكريات المؤلمة ، بينما في الجانب الآخر يغرق بلوم، الذي يرمز ليوليسيس ، في النوم يملأ شخيره الغرفة المظلمة.
************
في نهاية عام 1917 انهى جويس الفصول الاولى من يوليسيس واستعد لطبعها على الآلة الكاتبة ، وكان قد عرض ذلك على ناشرة مجلة "الفيردي" وهي مطبوع صغير كان له تأثير في الحياة الأدبية ، ان تحاول إصدار الرواية على شكل حلقات بنفس الطريقة التي نشرت بها عام 1915 روايته "صورة الفنان في شبابه " وبما ان الآنسة ويفز صاحبة المجلة ، كانت تؤمن إيماناً راسخاً بعبقرية جويس ، وافقت فورا على نشر الفصول الاولى ، لكن الصعوبة كانت في ايجاد من يقوم بطبع هذه الرواية التي اتخذ مؤلفها منهجاً جديداً في اللغة . وبعد مفاوضات دامت اكثر من عام وافق صاحب مطبعة على طبع الفصول الاول والثاني والثالث ولكن بعد حذف عبارات رأى فيها استهزاءً بالدين ، الامر الذي جعل جويس يرفض فكرة صاحب المطبعة ويأخذ المسودات الى احد أصدقائه الذي يتوسط عند صاحب مطبعة تجارية كبيرة ليسلمها بعد ذلك الى الآنسة ويفر التي قامت بنشرها متسلسلة ، إلا أن الرواية لم تلاقِ النجاح المطلوب بسبب غرابة احداثها ، والتعقيد الذي تعمده جويس في لغتها ، كما ان الحكاية تروى بطريقة معقدة جدا ، لانها تصوير لنشاط الانسان في هذا العالم وليس مجرد وصف لجماعة من الافراد في مدينة دبلن . وقد كان جويس يرى في اوذيسة هوميروس كمال الأدب كله من خلال شخصية يوليسيس ، فإنه أراد ان يعيد بعث هذه الشخصية في القرن العشرين ليعرض من خلالها الانسان بكل جوانبه ، فهو جبان وبطل معاً ، حذر ومتهور في آن واحد ، ضعيف وقوي في الوقت نفسه ، زوج وعاشق ايضا ، كريم وبخيل معاً ، طالب ثأر ومتسامح وسخيف ، ولهذا فقد حاول جويس ان يجعل مغامرات بطله ليبولد بلوم تسير على غرار ذلك النموذج في ملحمة هوميروس ، لذلك يمكن للقارئ ان يجد في كل الأحداث التي يمر بها بلوم خلال يومه الطويل في دبلن ، ما يقابلها في مغامرات يوليسيس في الاوديسة ، فبلوم هو كل انسان عاش في هذا العصر ودبلن هي العالم مصغراً .ولهذا نرى جويس يصر على ان يعبر عن كل شيء واصفاً مغامرات مجموعة صغيرة من الناس في يوم واحد ليرمز من خلالها لمجموع النشاط الانساني ، وهو لايقدم لنا وجهة نظر معينة ، كما انه في الرواية لاينحاز لفكر معين ، ولايحاول ان يطبق أي ميزان من موازين القيم الأخلاقية والاجتماعية ، ذلك لان الفنان من وجهة نظر جويس يجب ان يكون منعزلا ومخلصا لفنه اولاً ، وينبغي ان لايرتبط بوجهة نظر معينة يحاول ان يفرضها على القارئ .
بعد ان شعر جويس بأن الرواية لم تنل حظها في لندن طلب من صديقه عزرا باوند ، الذي كان يساعده مادياً بين الحين والآخر ، أن يساعده هذه المرة في نشر الرواية في الولايات المتحدة الاميركية . في ذلك الوقت كان باوند يعمل مستشاراً لمجلة تدعى "المجلة الصغيرة" تديرها سيدة من شيكاغو اسمها مارغريت اندرسون ، وعندما عرض باوند الفصول الثلاثة الاولى على اندرسون ، صرخت بفرح : "سوف اطبع هذه الرواية ولو كان هذا آخر عمل اقوم به في حياتي" ، وكما حدث مع الآنسة ويفر ، وجدت اندرسون صعوبة في اقناع صاحب مطبعة يتمكن من طبع المقاطع المفردة والتي كانت في ذلك الحين تعتبر عصية على الطباعة ، تمكنت اندرسون من التغلب على هذه المشكلة بمساعدة طباع صربي لتظهر الحلقة الاولى من الرواية في نيويورك في العاشر من اذار عام 1918. وقد لقيت الفصول الاولى نجاحاً كبيراً ، لكن هذا النجاح لم يبدد قلق باوند على الرواية حيث كان متيقناً أن بعض اقسام يوليسيس سوف تمنع من النشر . وكي يستبق الاحداث قام ومن دون استشارة جويس بحذف عشرين سطراً من الفصل الرابع ، وعلم جويس بهذا الحذف بعد نشر الفصل ، فأرسل رسالة شديدة اللهجة الى باوند يطالبه فيها بالحفاظ على محتوى الرواية كاملة ، الأمر الذي اضطر عزرا باوند ان ينصحه بوقف نشر الرواية متسلسلة ، والعمل على طبعها في كتاب واحد . لم يقتنع جويس بهذه الفكرة وواصل ارسال باقي الفصول الى المجلة ، وكما توقع باوند قامت دائرة البريد الأميركية بمصادرة وحرق الجزء المتعلق بلقاء بلوم وستيفين في المكتبة العامة حيث وجد فيه الرقيب الفاظاً بذيئة تسيء للمجتمع ، بعد اسابيع تم منع الفصل الخاص بالقديس لويجي كونزافا ، عام 1920 قررت هيئة البريد ارسال خطاب للمجلة تطلب فيه بحذف فصل السكلوب ، ولم تنفع احتجاجات هيئة تحرير المجلة ، الأمر الذي دفع جويس لأن يكتب رسالة الى عزرا باوند يقول فيها :"هذه هي المرة الثانية التي أحرق فيها وأنا ما أزال على قيد الحياة ، وهذا ما يجعلني آمل أنني سأمر بين نيران المطهر بسرعة. ثم اخذت الأمور اتجاهاً خطيراً آخر، فقد قام سكرتير جمعية نيويورك لمحاربة الرذيلة برفع شكوى رسمية ضد الرواية ، وقد اعتبر عزرا باوند وجيمس جويس انه مهما كانت نتائج هذه الدعوى القضائية ، فإنها لابد ان تحتل مكاناً بين محاكمات القرن الماضي ، كما حدث مع "ازهار الشر" لفلوبير و"مدام بوفاري" لفولتير ، تم سماع القضية في نهاية شباط من عام 1921 ليصدر قرار المحكمة باعتبار الكتاب مثيرا للقرف اكثر منه داعياً للانحراف ، ويقزز النفس اكثر مما هو ملوث ، وتم تغريم صاحبة المجلة 50 دولارا مع أخذ تعهد منها بعد طباعة الفصول المتبقية من الرواية ، وقد اوقع قرار المحكمة جويس في نوبة من الكآبة ، فيما امتنعت دور النشر في اميركا من طبع الرواية ، ما دفعه للاتصال بالآنسة ويفر ان تتمكن من طباعتها في لندن فعرضت الرواية على فرجينيا وولف التي وجدت فيها قبحاً كثيراً ، وكتبت للناشرة :"وكأنها انتشار للدمامل على جسد ماسح الأحذية في فندق كلاريدج "، وحين عرضت على د.ه. لورنس اعتبرها رواية بذيئة جدا ، وبعد ان أيقن جويس انه لايوجد اي ناشر في نيويورك او في لندن مستعد لنشر يوليسيس كتب الى شقيقه:" يبدو ان يوليسيس لن تظهر ابدا " . لكن الفرج جاء هذه المرة من باريس، فقد قررت دار نشر شكسبير ، اصدار ترجمة فرنسية من الرواية ، وافق جويس حالا ، وفي نيسان عام 1922 صدرت الطبعة الفرنسية ، التي تلقف نسختها الاولى ارنست همنغواي ليكتب عرضاً نقدياً لها معتبراً يوليسيس : " كتاباً رائعاً بحق الجحيم" ، وحدق اليه وليم فوكنر وهو جالس في احد المقاهي ولم يجرؤ على مخاطبته تبجيلاً واحتراماً ، وعرض سكوت فيتزجرالد على جويس ان يسمح له بالقفز ، ونفدت نسخ الطبعة الاولى وكانت 2000 نسخة، وفي عام واحد تمت طباعة الرواية سبع طبعات اخرى ، ما دفع دور النشر الامريكية الى محاولة اصدار نسخة من الرواية ، لكن قرار المحكمة لايزال سارياً فقام عدد من الادباء ومنهم عزرا باوند وفيتزجرالد باقامة دعوى قضائية لإزالة المنع حيث سمح عام 1932 بنشر الرواية فقامت دار نشر رانوم هاوس بارسال الرواية الى المطبعة لتصدر في نهاية العام النسحة الانكليزية الاولى ، وعلى مدى عشرة ايام بيع منها 33000 الف نسخة ، وقد تعهد اليوت بنشر الرواية في انكلترا فدفعها الى المطبعة عام 1924 بعد ان كتب لها اليوت مقدمة بعنوان "النظام والاسطورة في يوليسيس" اختتمها بالعبارة المؤثرة التالية :"انني اعتبر هذا الكتاب أهم تعبير عن عصرنا الحالي ، وانه لكتاب نحن جميعا مدينون له ، وليس من احد يمتلك القدرة على الهرب منه " .
************
نورما ﭼـين، الشهيرة بمارلين مونرو تجلسُ متمددةً بغنجٍ، تقرأ، وعلى وجهها تعابير الدهشة الطفولية، من يدقق النَّظرَ الى الكتاب الذي بين يديها يجد انه كُتِبَ عليه Ulysses.، ترى هل كان يدور في ذهن جيمس جويس وهو ينشر روايته المثيرة للجدل، ان هذه الرواية ستقع في يوم من الايام في يد واحدة من اجمل نساء الكرة الارضية واكثرهن شهرة وان هذه الجميلة ستخصص جزءاً من وقتها المزحوم بالسهرات والمقابلات والافلام لتقرأ يوليسيس .ولعل البعض منا يسأل هل استطاعت ان تحل الغاز هذه الرواية التي قال عنها مؤلفها بعد ان دفعها للنشر، يالها من رواية متعبة؟ ويبدو ان التعب من يوليسيس لم يكن مصير جويس وحده ، بل قدر الذين يقررون قراءة الرواية.
سألت الكثير من الاصدقاء هل قراتم رواية (يوليسيس)؟ يضحك البعض منهم وآخرون يقولون لم يقرأها سوى القليل ، كما كانت مفاجاة بالنسبة لي ان كثيراً من الروائيين لم يستطيعوا قراءتها بالكامل ، لكنهم بالمقابل شغوفون بقراءة كل مايتعلق بجيمس جويس من كتب ومقالات.
ترجمت يوليسيس الى العربية ثلاث مرات الاولى كانت عام 1948 من قبل اديب مصري اسمه لطفي جمعة كان مولعا بجيمس جويس لكنه لم يكمل الترجمة بسبب عارض صحي فنشر جزءها الاول. والترجمة الثانية التي قدمت للقارئ العربي كانت ترجمة الدكتور طه محمود طه التي نشرت عام 1982بجزءين وبعد اكثر من ثلاثين عاما يقدم الشاعر والمترجم العراقي صلاح نيازي ترجمة جديدة صدرت عن دار المدى باربعة اجزاء.