قد يبدو العنوان هنا غريباً، أو ربما يظن القارئ الكريم بأنه غير صحيح، لكني أؤكد بأنه صحيح وبأني قد كتبته بشكل جيد ومقصود. طبعاً من السهل فهم ان يكون الرسم قرب حقول القمح او في حقول القمح او رسم حقول القمح، لكن ان يكون الرسم فوق سطوح الحقول نفسها، فهنا تكمن المفاجأة والغرابة والغموض. نعم فهذه الرسومات التي تظهر هنا وهناك محفورة بعناية واتقان فائقين على سطوح حقول القمح مترامية الأطراف، قد حيَّرَت الناس كثيراً وخاصة الطيارين الذين يفاجأون وتصيبهم الحيرة والذهول وهم ينظرون الى هذه الأشكال الغريبة التي يعتقد بعض الناس ويشيعون بأنها من صنع كائنات غريبة تأتي من كوكب آخر لترسم ما ترسمه حين يحل الظلام، ثم تغادر مسرعة نحو الفضاء البعيد. وبعض الأشخاص أحالوها بدون تردد الى نوع من الشياطين الذين ينشطون في ساعات معينة من الليل ليخرجوا لنا بهذه الخطوط والمساحات المنسجمة الى حد الإعجاز والبراعة وبهذه المساحات التي تصل الى آلاف الأمتار المربعة.
هذا النوع من الفن يسمى بين المتابعين والفنانين والصحافة بـ (دوائر القمح) وهو يعود الى فترات بعيدة مضت، لكنه أخذ يشغل الناس ويعرف على نطاق واسع منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، حين بدأ يغزو حقول بعض القرى البريطانية، حتى انتشر في كل أوروبا والعالم. وفي الصيف الماضي كان آخر ظهور لدوائر القمح في بريطانيا، حيث ظهرت دائرة عملاقة بداخلها مايشبه المتاهة. وفي ألمانيا بمدينة ميونخ ظهر قبل ايام قليلة رسم فوق احد الحقول يمثل وردة كبيرة، وقد تجمع الناس هناك ليعرفوا حقيقة هذا الرسم ولمن يعود. وهناك إيضاً ما اكتشفه أحد الطيارين وهو يقود طائرته فوق احدى القرى في نيوزلاندا، حيث شاهد الطيار رسماً كبيراً لآثار اقدام بشرية وقربها آثار اقدام ضفادع او اقدام كائنات تبدو فضائية. دوائر القمح هذه تظهر عادة بشكل مفاجئ للناس وبأشكال غاية في الانسجام وقوة التنفيذ وبتكوينات غريبة، لهذه الأسباب أصبحت تمثل لغزاً وانطوت على جانب كبير من التشويق بالنسبة للمتابعين، لكنها رغم كل ذلك من صنع ناس يعشقون المغامرات الفنية وجلب الانتباه وصنع الجمال وتقديمه بطرق غير تقليدية، والمشكلة الكبيرة التي تواجههم في التنفيذ، هي كيفية السيطرة على حقول تفوق مساحتها ملاعب كرة القدم، وهم يزيلون او يحصدون طوال الليل بعض مساحات الحقل لتظهر الرسمة التي يريدونها، ويكتمل العمل بعدها ليراه الناس في الغالب من خلال الطائرة!
وينسب اكبر رسم لدوائر القمح الى الفنانين الهولنديين ريمكو دلفخاو ومانفريد كولمان اللذين أنجزا في ليلة واحدة وبمساعدة خمسين متطوعاً فراشة عملاقة في قرية فيليامينا الهولندية، وهذا الرسم دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية كأكبر دائرة قمح في العالم، وبالتأكيد قد تم انجاز هذا الرسم بعد الاتفاق مع صاحب الحقل.
في الغالب تقترب التكوينات في هذا الفن من الزخارف التي تشبه أشكال الحلي والدوائر والفن البصري والكرافيك وحتى نقشات الأقمشة. وهنا تختلف الدوافع والأسباب للقيام بذلك، فبعضهم يعتبره هواية خاصة ونادرة ولا تشبه مايقوم به الآخرون، وآخرون يرونه تحدياً لهذه المساحات الشاسعة والتنفيذ السريع بوقت قياسي قبل ان تشرق الشمس، وجماعة ثالثة تريد فقط ان تتمتع بالغموض والتساؤلات التي تتركها رسوماتهم بين الناس والمزارعين وهم يراقبونهم من بعيد بفضول كبير. وإضافة الى كل ذلك تبقى هذه الرسومات وهذا النوع من الفن له عشاقه ومحبوه والباحثون عنه بين القرى البعيدة والحقول التي تفتح ذراعيها لكل ما هو جميل وطريف ومختلف.
الرسم فوق حقول القمح
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...