كان فيرلين في سن الثلاثين ورامبو في سن العشرين حينما تباعدت مسارات الشاعرين الكبيرين بانفصالهما بعد علاقة عاطفية ومتناقضة ..كان عشقهما ملعوناً ، وكانت قصائد الشاعرين العبقريين من اجمل ماحفل به الشعر الفرنسي في القرن التاسع عشر ، كما كانت قصتهما من اغ
كان فيرلين في سن الثلاثين ورامبو في سن العشرين حينما تباعدت مسارات الشاعرين الكبيرين بانفصالهما بعد علاقة عاطفية ومتناقضة ..كان عشقهما ملعوناً ، وكانت قصائد الشاعرين العبقريين من اجمل ماحفل به الشعر الفرنسي في القرن التاسع عشر ، كما كانت قصتهما من اغرب القصص اذ عاشا واحدة من قصص الحب الأكثر شهرة وفوضوية في عصرهما ...
كان فيرلين معجباً ببودلير ، وكان يلتهم كتب بلزاك ودوماس وهوغو ويعشق بانفيل ويثيره شعر غلاتيني ..وهو يتسكع في باريس ، كان يحلم بأن يعيش من قلمه ، وكان يتردد كثيرا على الحانات ويلتقي باصدقائه في اوقات مابعد الظهيرة ، كما كان يتردد على الملاهي وبيوت الدعارة تاركا قلمه يتحدث عن نفسه اذ صنعت قوافيه الشعرية اجمل الأيام لمجلة (بارناس ) المعاصرة ..خلال تلك الفترة وقع في حب فتاة في السادسة عشرة من عمرها اسمها (ماتيلدا) وسارع الى الزواج منها ، لكنه سرعان ماشعر بصعقة الحب الحقيقية تجاه الصبي رامبو الذي كان وقتها في السابعة عشرة من عمره حين التقيا في عام 1871 ، ولشدة اعجابه به تعمد ان يرسل له كتاباته ، وكان رامبو يحلم بأن يصبح شاعراً وكان يمتلك جمالاً شيطانيا وافكاراً قوية وراسخة جدا ومنها مقته الكبير للثالوث المقدس (الكنيسة ، الجيش ، والمؤسسات ) ، وكان يكره ايضا حسن السلوك والشرف ، وربما كانت هذه الأفكار فضلا عن جماله البهي هي ما أسرت فيرلين ووجد نفسه مندفعاً بقوة تجاه هذا الملاك الساقط من السماء بموهبة مذهلة وجمال لايصدق ..
في النهاية ، اطلق فيرلين رصاصتين على رفيقه رامبو بعد ان شعر رامبو بالغرور بسبب هذا الحب الذي لايحمل اسماً معيناً ، اذ كانت حكايات العاشقين تتصدر الصحف وتثير ضدهما ابناء الطبقة البرجوازية ..اما ماتيلدا –زوجة فيرلين – فقد صدمها الأمر وشعرت بانزعاج كبير من اسلوب زوجها في التعامل معها وغضبه المستمر فقررت الابتعاد عنه ...
ففي صيف 1872 ، هرب العاشقان من باريس بعد ان رفضت تواجدهما فيها وعاشا حياة قلقة ومضطربة ، اولا في بلجيكا ، ثم في انكلترا ، وحين عاد رامبو وحيداً الى شارلفيل مدفوعاً بنزوة ، استسلم فيرلين لحزن عميق ألهمه أجمل قصائده ، وفي احدى هذه القصائد يقول فيرلين :" قلبي يبكي ..وكأن مطراً يهطل على المدينة " ..
لقد بدت مشاعرهما متنافرة ومضطربة بالتدريج اذ بدأ رامبو بإذلال فيرلين وإساءة معاملته ، وفي النهاية ، اطلق عليه فيرلين في بروكسل رصاصتين ، وتم اعتقاله بناءً على ذلك ثم محاكمته وادانته فيما حصلت زوجته ماتيلدا على الطلاق ..
بعد خروجه من السجن في كانون الثاني عام 1876 ،ذهب فيرلين للبحث عن رامبو الذي غادر الى شتوتغارت ، وهناك ، وعلى ضفاف النيغارا ، دب بينهما شجار شديد ليغلق والى الأبد صفحة علاقتهما المحرمة ..
كان فيرلين واحداً من الشعراء الذين اطلق عليهم (الشعراء الملعونين ) وهم الشعراء الذين عاشوا حياتهم منبوذين تعساء لايفهمهم أحد ومنهم بودلير ورامبو وكوربيار ، لكن فيرلين كان من اهمهم وحاز قبل وفاته على لقب ( أمير الشعراء ) ..
وصف فيرلين قصته مع رامبو في مجموعته الشعرية (من الزنزانة ) التي كتب قصائدها خلال فترة سجنه في بروكسل مابين عامي 1873 و1875 ..ولم يتمكن فيرلين من طبع ديوانه بعد خروجه من السجن لما يحتويه الديوان من معاناة نفسية شديدة لازمت فيرلين طوال حياته اذ كان حائرا بين الحياة الهادئة الرتيبة والحياة المثيرة الصاخبة ، بين المشاعر النبيلة وبين السقوط في الرذيلة أي بين الجنة والنار ، وكان فيرلين معذباً وحبيس هواجس لاحقته منذ طفولته لشعوره بأنه قبيح الشكل ومنبوذ وهو ماجعله يتعلق بالشاب الأشقر الجميل رامبو ويعشقه بعد ان شعر معه بأنه مرغوب به.










