3-3
"أفينغيديس"، هو الاسم الذي كان يُطلق على آخر العوائل الهيلينية اليونانية التي بقيت في حي ينيكوي في مدينة اسطنبول، كما يقول أدوسوغلو، أحد الشيوخ المعمرين الذين صمدوا بمواصلة العيش في اسطنبول، لم يفكروا بمغادرتها يوماً، الصحفي المعروف عام 1925 أصدر العدد الأول من صحيفة آبويفماتيني، التي رأس تحريرها منذ قرابة عشرين عاماً. الصحيفة التي تُطبع بالحروف اليونانية تصدر بأربع صفحات يومياً. لا يفرح الرجل العجوز عند الحديث عن عدد نسخ الجريدة التي هي "بعدد اليونانيين الموجودين". "إذا كان هناك شاعر يوناني ينتسب إلينا فهو الشاعر كفافيس"، يقول الرجل المسن. لكن هل يعرف المكان الذي سكن فيه الشاعر لمدة ثلاث سنوات قبل أن يعود إلى الإسكندرية؟ هل ما زال هناك بيت جده فوتياديس أم هُدم؟ من الصعب على أدوسوغلو الذي باغته السؤال كما يبدو تكوين صورة، لماذا لم يغادر الصحفي الشيخ مثل الآخرين؟ بسبب الجريدة التي لم تعد تملك أي قارئ تقريباً؟ "لقد رأيت العالم كله تقريباً، لكن اسطنبول هي التي أحب."
على عكس اليونانيين الأحياء الذين لا يتذكرون أسلافهم فعل كونستاتينوس كافافيس كل ما في وسعه للنبش عن أسلافه. ذلك ما شغل به نفسه طوال سنوات إقامته الثلاث في اسطنبول. في النهاية تأتي أمه مثلما هي الحال مع أبيه أصولها من اسطنبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية. الاسم كفافيس يأتي بالأصل من الكلمة التركية آيامابيجي "الإسكافي". العائلتان كانتا رغم هذا الاسم تنتميان للطبقة الراقية. لقد دوَّن كافافيس العديد من الملاحظات بهذا الخصوص، بحث عند الأقارب عن المعلومات والتفاصيل. فمنه نعرف بأن عائلة الجد انتقلت للفيلا أولاً لعد انتقال سكان الفيلا الأصليين منها. القنصل الفارسي سكن هناك، استأجر البيت لفصل الصيف. لذلك لم يكن البيت الذي عاشت فيه العائلة بصورة "بائسة" صغيراً. لكن كانت هناك عائلة أخرى قاسمتهم السكن، عائلة العم وزوجته وطفليهما. هل الضيق في البيت هو الذي حمل كافافيس على التجول عند الشاطئ؟ في "ليلة في قالينديري" يصف كافافيس نزهة مثل هذه قام بها من "ينيكوي" باتجاه "طرابيا"، كما كتب، حيث صلى لـ "أجمل مكانين على الفوسفور، للطبيعة البيزنطية" حيث يلاحظ خصوصية "فرحها": "وديانها وسواقيها وجبالها تضحك دائماً".
لم يبق الشيء الكثير من تلك المرتفعات المقدسة. بدل ذلك ارتفعت أحياء من البيوت الحديثة وشارع رئيسي تسير عليه السيارات. ما تزال هناك بيوت قديمة قليلة. 500 فيلا. لكن حتى في الكتيب الصغير الذي يحمله السياح في أيديهم والذي يتحدث عن تاريخ المنطقة وأسماء العوائل التي عاشت هناك لا يعثر فيه المرء على اسم بوتياديس. وشكراً لعجوز يوناني يعيش في حي "ينيكوي" يخبرنا، كيف أن البعض من عائلة بوتياديس عاش هنا في اسطنبول حتى قبل ثلاثين سنة "في ذلك البيت الذي يقع في مكانه اليوم أشهر مطعم على الفوسفور".
البيت يطل على البحر مباشرة. أنه من الخشب. في الداخل مظلم درجات السلم واسعة وعريضة. المطعم في الطابق الأرضي وعلى طرفه يرتفع البيت. هناك تسكن عائلة. نضرب على الجرس فتخرج لنا امرأة مسنة. نسألها عن عائلة جد كافافيس، "نعم، بوتياديس عاشوا هنا"، تقول لنا المرأة التي تحكي قصتها أيضاً. فنعرف إنها نزلت هنا قبل 35 سنة عندما وُلد ابنها وحصل زوجها على البيت من الكنيسة اليونانية التي تقع مقابل البيت تماماً.
تحت في شرفة المطعم بإمكان المرء أن يمتع عينيه بالمنظر الرائع للبحر والسفن وحيث الطرف المقابل، الجهة الآسيوية من اسطنبول. هناك عمارات عالية في الجهة الأخرى. لكن ذات يوم كانت ترتفع في مكانها جبال تضحك فرحة، ترقص أمام عيني الشاعر.