يبدع الفنانون على مرِّ التاريخ في انتاج لوحاتهم وانجاز أعمالهم الفنية. وبينما هم يقضون أياماً عديدة ويسهرون الليالي يخططون لتكويناتهم ونتاجاتهم الفنية، فهناك أطراف أخرى في أماكن مجهولة تخطط ايضاً وتراقب ذلك من بعيد، وتستعمل كل ذكائها لأيجاد حلول وامكانيات لسرقة هذه الاعمال وامتلاكها بطرق غير مشروعة. وسرقة الاعمال الفنية قديمة قدم التاريخ منذ كان إنسان الكهوف قبل اكثر من ٢٠ الف سنة يبحث عن الجدار المناسب بعيداً عن تطفل الآخرين، ليرسم عليه الحيوانات التي يريد السيطرة عليها واصطيادها.
وهناك حوادث وتفاصيل عن سرقات فنية حيَّرَت المختصين ومسؤولي المتاحف وبقيت شاهداً على اطماع هذه القفازات الخفية التي تحاول نهش أجساد هذه المتاحف لغايات لها علاقة بالمال او الأمراض النفسية التي يحملها اللصوص او من يأمرهم بالسرقة. فمازال المؤرخون والمهتمون بتاريخ الفن يتذكرون سرقة الموناليزا من متحف اللوفر، والتي تعتبر أشهر لوحة في العالم، وقد حدث هذا في بدايات القرن العشرين. حينها استدعت الشرطة الفرنسية بيكاسو للتحقيق معه هو وصديقه الشاعر الشهير ابولونير بتهمة السرقة، لكن المتحف عثر عليها فيما بعد لدى رجل إيطالي مريض نفسياً، وقد عمل سنوات في اللوفر، وكان ينوي إرجاع اللوحة - حسب ادعائه - الى اصلها في إيطاليا. ويتفنن اللصوص احياناً بقيامهم بالسرقة، كما فعل لصان، حين تنكرا بملابس الشرطة ودخلا الى متحف إيزابيلا جاردنر وسرقا لوحات لفرمير وريمبرانت ببساطة متناهية. وكذلك اللص الذي سرق لوحة مونيه (جسر تشارينج في لندن) من متحف كونست هال، وادعي بعد إلقاء القبض عليه بأنها قد احترقت في الفرن، ولم يُعرَف مصيرها الى هذه اللحظة. وفي كل الأحوال تبقى اكبر وأشهر وافضع جرائم السرقة عبر التاريخ هي ما تسمى بـ ( السرقة النازية) وهي السرقات المنظمة التي قام بها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية لنهب اللوحات والمنحوتات والتحف والمخطوطات وغيرها، من الدول الأوروبية. وسنتأكد من فظاعة هذه الجريمة حين نعرف بأنهم قد سرقوا من دولة واحدة فقط هي بولندا ما يقارب من نصف مليون قطعة فنية! وبعد الحرب انتبه العالم لفظاعة مايجري بهذا الخصوص، وابتدأ البحث عن بعض الحلول لذلك، ومنها تدخل الإنتربول الذي حرر اول نشرة او مذكرة بشأن السرقات الفنية سنة ١٩٤٧.
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع، هو العثور هذه الأيام على لوحتين مهمتين جداً للرسام فنسنت فان غوخ، كانتا قد سرقتا من متحفه في أمستردام قبل اكثر من ١٤ سنة، وقد عُثِرَ عليها في احد بيوت تاجر مخدرات بمدينة نابولي في إيطاليا. فحين كانت الشرطة تبحث عن ممنوعات اخرى في المنزل، عثرت على هاتين اللوحتين مخبأتين خلف جدار سري بُنِيَ بين الجدران التي تفصل الغرف. وقد أكد متحف فان غوخ بأن اللوحتين أصليتان. وقال مدير المتحف ألكس روخر حول ذلك ( لم نكن نتوقع العثور عليهما، لقد فقدنا الأمل بعد مرور كل هذه السنوات) . والمتحف الذي رصد وقتها مئة الف يورو كمكافأة لمن يوفر معلومات حول مكان اللوحتين، ينتظر الآن وصولهما الى أمستردام للاحتفال بما يليق بهذا الحدث. وقد رسم فنسنت هاتين اللوحتين سنة ١٨٨٢ وسنة ١٨٨٤ وتمثل الأولى شاطئ سخيفيننغن بمدينة لاهاي حيث امواج البحر وبعض الأشخاص على الساحل، والثانية رسم فيها كنيسة مدينة نونن التي ولد فيها جنوب هولندا، حيث كان ابوه قساً هناك وأمه تقضي اوقاتاً طويلة فيها ايضاً. تَغْلِبُ على اللوحتين اللتين تقدر قيمتهما معاً بثلاثين مليون دولار، الألوان الداكنة والبنية التي تميزت بها مدرسة لاهاي، حيث أثَّرَتْ تقاليدها الفنية على فنسنت في بداياته قبل ان ينتقل الى باريس لتتفتح ألوانه مثل ضوء وجمال وبهجة عاصمة النور نفسها، ويضيع بين سحر الانطباعيين وحضورهم الأخّاذ.