القوى السياسية العراقية المشاركة في الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 ، ترفض التخلي عن الاصطفاف الطائفي ، لاعتقادها بانه الخيار الوحيد لضمان تمثيلها في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بموجب هذه القاعدة ترسخت المحاصصة ، ففقد العراقيون امكانية ارساء اسس بناء دولة المواطنة في ظل نظام ديمقراطي ، يعتمد مبدا التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع . طيلة السنوات الماضية تراجع الاداء الحكومي والسياسي ، لم تشهد البلاد تحولات جذرية تحقق احلام الشعب في الانتقال الى مصاف الدول المتقدمة ، على الرغم من توفر ثروات طبيعية هائلة من شأنها ان تجعل العراقي اسعد انسان على الكرة الارضية .
بروز حالة الاحباط من اداء الطبقة السياسية ، جعل الكثير من العراقيين ينظرون الى الماضي بألم وحسرة ، ليس اعتزازا بالنظام السابق ، وانما لشعورهم بأن حاضرهم مبهم ومجهول ، لم يمنحهم فرصة رؤية ملامح مستقبلهم ، ففقدوا الثقة بأصحاب القرار ، تبددت احلامهم بتحقيق تنمية اقتصادية تعيد اعمار البنى التحتية المدمرة . سراق الديمقراطية بإصرارهم على تحقيق مكاسبهم الحزبية والشخصية الضيقة، على حساب الحفاظ على ما تبقى من مظاهر الدولة ، جعلوا الشارع العراقي يردد شعار "باسم الدين باكونا الحرامية".
لطالما اعلن زعماء وقادة سياسيون رفضهم كل مظاهر الاصطفاف الطائفي، لكن مع بدء العد التنازلي لموعد اجراء الانتخابات المحلية او التشريعية ، يتخلون عن ارتداء الأقنعة الوطنية متمسكين بالانتماء الى المذهب والقومية لتحقيق الفوز في التنافس الانتخابي . الشارع العراقي ادرك بأن رغبة الأطراف المشاركة في الحكومة الحالية في الحفاظ على تحالفاتها سواء كانت شيعية او سنية او كردية لم ولن تعبر عن ارادته ، لأنه ،اي الشارع، هو الوحيد القادر على تبني المشروع الوطني وسحب البساط من تحت اقدام المراهنين على الدوافع المذهبية والطائفية من خلال استثمار قاعدة التأييد الشعبية الواسعة، لتغيير النخب السياسية الحالية وقطع الطريق امامها عبر صناديق الاقتراع ، لمنعها من تكرار تجربة مريرة شهدتها السنوات الماضية .
منظمو التظاهرات الاحتجاجية في بغداد وبقية المحافظات بإمكانهم بلورة موقف موحد للمشاركة في الانتخابات المقبلة . الاحتجاج وحده مع اهميته بوصفه حراكا شعبيا ، يحتاج اليوم الى برنامج تنظمي ينقله الى ساحة المواجهة ، بخلاف ذلك سيبقى سراق الديمقراطية يسيطرون على مقدرات البلاد والعباد .
اعتاد احد "الرواديد" الشباب قراءة قصائد تحمل مضامين سياسية خلال ايام عاشوراء، فاثار غضب صاحب الموكب وحذره من تناول قضايا السياسة ، والوقوف الى جانب الزعيم الفلاني وقائد الحزب العلاني ، واخبره بان نفقات اقامة الموكب من ماله الخاص ، شد حيلك واجرك على ابي عبد الله عليه السلام ، اضطر الرادود الى مغادرة المجلس ، تاركا الحضور يستمعون الى لطمية عبر جهاز التسجيل.
القوى السياسية السُنية امامها فرصة توسيع قاعدتها الشعبية باقامة موكب عزاء في بغداد لتثبت انها تجاوزت الاصطفاف الطائفي ، حين تستعين برادود يجيد نظم قصائد على ايقاع المشروع الوطني.