(1 - 2)
انتهت، أمس، مفاوضات التحكيم ما بعد معركة صفين بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، في دومة الجندل، حيث عقدت جلسة التحكيم بين وفدي الجانبين المتحاربين.
رأس وفد الإمام علي أبو موسى الأشعري بينما رأس وفد معاوية عمرو بن العاص.
لكن المفاوضات انتهت إلى شجار وشتائم تبادلها رئيسا الوفدين بعد أن اتهم الأشعري عمرو العاص بأنه "غدر وفجر" إثر تنصل الثاني عن التزامه بما اتفق عليه الطرفان بأن يخلع كل منهما صاحبه ليصار إلى الشورى لانتخاب خليفة جديد للمسلمين بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وذكر مصدر موثوق أن الأشعري بدأ الحديث بضرورة لم شعث المسلمين ووحدة الأمة وكل ما يعزز السلام بين الناس، ثم انتهى إلى مقترح يجنب الطرفين مواصلة القتال وحقن الدماء، وخلاصته: أن يخلع كل منهما صاحبه ليصار، فيما بعد، إلى الشورى وانتخاب خليفة جديد، أي لا يكون عليّاً أو معاوية.
وذكر المصدر أن معاوية استدرج خصمه بالكلام ليجره إلى الاعتراف بأن قاتل عثمان يوجب العقاب لأنه قُتل مظلوماً، غير أن الأشعري تملص من الأمر داعياً عمرو إلى الكلام فيما حضرا من أجله وليس في أمر فات أوانه، فسأله عمرو: وما هو؟ رد الأشعري: أن أهل العراق لا يحبون معاوية وأهل الشام لا يحبون علياً فليس لنا إلا أن نخلع صاحبينا.
وكان الخصمان اتفقا على أن يكون بينهما كاتب محضر يدون ما يتفقان عليه، وما قاله عمر: "إن للكلام أولاً وآخراً، ومتى تنازعنا الكلام خطباً نبلغ آخره حتى ننسى أوله".
سألت "المدى" الشيخ أبا الحسن المسعودي، وهو من كبار مؤرخي الحياة السياسية العربية والإسلامية، وصاحب السفر التاريخي "مروج الذهب" وغيره من المصادر المهمة، رأيه بما جرى، فأجابنا مشكوراً:
"بعد أن اتفق الطرفان على خلع صاحبيهما، علي ومعاوية، قام الأشعري خطيباً في الناس، قال: أيها الناس، إنّا نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ولم الشعث وحقن الدماء وجمع الإلفة بأن خلعنا علياً ومعاوية، وقد خلعت علياً كما عمامتي هذه- ثم أهوى إلى عمامته فخلعها- ثم نزل.
وقام ابن العاص وقال: أيها الناس، إن أبا موسى خلع علياً وأخرجه من هذا الأمر، وهو أعلم به، ألا وأني خلعت علياً معه، وأثبتّ معاوية عليّ وعليكم، وأن أبا موسى كتب في الصحيفة أن عثمان قُتل مظلوماً شهيداً وإن لوليّه سلطاناً يطلب بدمه، حيث كان.. إلخ.
فرد الأشعري مغاضباً، كذب ابن العاص، ولم نستخلف معاوية، ولكننا خلعنا علياً ومعاوية معاً، فقال عمرو: بل كذب الأشعري الذي خلع صاحبه ولم أخلع صاحبي".
ويضيف المسعودي: "هناك من يقول: إن الأشعري خلع علياً ومعاوية فرد عليه ابن العاص، أمام الناس: أن هذا قد خلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية".
عند هذا الحد نشبت الملاسنة بين الاثنين إذ صاح الأشعري: لا وفقك الله، غدرت وفجرت، إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً، فرد عمر: بل إياك يلعن الله، كذبت وغدرت، إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تركته يلهث".
ويذكر أن الأشعري استوى على راحلته ولحق بمكة ولم يعد إلى الكوفة، وآلى أن لا ينظر إلى وجه عليّ ما بقي على قيد الحياة.
يتبع
جميع التعليقات 1
Abdallah Al-Sharif
لقد احتج الخوارج على مبدأ التحكيم، اذ لايجوز التحكيم بين خليفة منتخب، وبين وال خارج عن الطاعة، فتم تكفيرهم، والصقوا التهم المزيفة بهم، فكانت الحرب عليهم، بفعل مواقفهم العقائدية الصلبة، وبفعل عدم اعتراف الطرف الاخر بالخطأ