لم يتردد الكثيرون في إظهار مواهبهم الكبيرة ومزاعمهم الواثقة حول ما يسمي بجيل الثمانينات في الرسم العراقي. هكذا وبكل بساطة تدشن الأسماء وتنشر التفاصيل، دون بذل عناء او جهد للتأكد من المعلومات او الأسماء والتواريخ. الامر مفتوح للجميع للكتابة حول ذلك، وهذا امر جيد بطبيعة الحال، لكن ان نتوخى الحقيقة والصدق في مانكتب، هو ايضاً امر جيد بكل تأكيد، ولا اعتقد ان هناك جدلاً حول ذلك. المسألة لاتتعلق هنا بأهمية هذا الرسام او تلك النحاتة، بقدر ما هو توثيق لجانب مهم من حركة تشكيلية، هي واحدة من أهم الحركات الفنية في المنطقة ان لم تكن الأهم بالفعل.
يشير بعض الكتاب في فترات متباعدة، هنا وهناك الى الجيل الذي يطلق عليه (جيل الثمانينات في الفن التشكيلي العراقي) ويستعرضون التفاصيل والوقائع وهم يشيرون الى اسماء معينة يعتقدون بأنها كانت هي المؤسسة والمؤثرة والمهمة في هذا الجيل. وبهذه الطريقة ظهرت بقدرة قادر أسماء لا وجود لها في الرسم الثمانيني،لا من بعيد ولا من قريب. فبعض هؤلاء الفنانين، وهم رائعون بالفعل كانوا قد ظهروا وعرضوا نتاجاتهم في سنوات التسعينات، والبعض الآخر منهم كانوا رسامين للأطفال، وكانوا ناجحين في هذا المجال لكنهم لم يرسموا لوحات او يقيموا معارضاً في تلك الفترة. أنا لا أدعي ما لا أعرفه هنا. فلست بياع كلام، ولا أبيع الماء في حارة السقايين كما يقولون، لأَنّي كنت بالفعل جزءًا مشاركاً في حارة السقايين هذه، ومن معارضي الشخصية في فترة الثمانينات من القرن الماضي معرض (سيقان وأرصفة) سنة ١٩٨٧ في قاعة التحرير ببغداد، ومعرض (الباص الأحمر) سنة ١٩٨٩، ايضاً ببغداد، إضافة الى معرضين قبلهما في أكاديمية الفنون، كذلك مجموعة كبيرة من المعارض المشتركة للفن العراقي.
ملامح هذا الجيل بدأت بالظهور من خلال معرض الشباب الاول سنة ١٩٨٥ والذي أقيم في قاعات متحف كولبنكيان ببغداد، حيث اشترك فيه وقتها الكثير من الفنانين الشباب، وقتها عرضت في هذا المعرض لوحتين هما رجل يقرأ وعازف الجيتار. وهكذا أخذت تقام المعارض، فتغيب أسماء وتظهر أسماء، لتتبلور بعد ذلك ملامح مجموعة تضم عدداً من الفنانين أطلق عليهم حينها فنانو جيل الثمانينات. وبما ان قسماً من هؤلاء الفنانين قد ولدوا في الخمسينات وأكملوا دراساتهم الأكاديمية، والقسم الآخر ولدوا في الستينات ومازالوا يدرسون الفن في ذلك الوقت، لذلك نرى ان خبرات أبناء هذا الجيل كانت متفاوتة بعض الشيء، ومع مرور الوقت وحلول نهاية الثمانينات بدأت هذه المجموعة من الفنانين تؤكد حضورها وأساليبها الشخصية وتوضحت تقنية كل واحد او واحدة منهم ليصبحوا جزءًا فاعلاً ومؤثراً في الحركة التشكيلية العراقية.
ربما تكون مسألة الأجيال الفنية غير مهمة الآن، وليست ذات تأثير بالنسبة للكثيرين، لكن ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع هو الجانب التوثيقي لهذه الحقبة المهمة من الفن العراقي، وان لا تختلط الأسماء مع بعضها ببساطة يغلفها احياناً حسن النيّة او السهو وربما عدم الجديّة. بالنسبة لي كفنان، عشت عشر سنوات كفنان محترف في العراق، والآن أعيش منذ ٢٢ سنة في أوروبا كفنان محترف ايضاً. وأقول صادقاً ان مسألة الأجيال ليست موجودة هنا، ولا تُطرح كما تُطرح عندنا. فقط هناك فنان محترف وهناك فنان شاب في طريقه الى ان تكتمل أدواته الفنية. لكن في نفس الوقت في الجانب التوثيقي والتاريخي ومن ناحية القيمة الفنية ايضاً لا يمكن لـأحد في هولندا مثلاً ان لا يذكر كارل أبل وكورنيه باعتبارهما من أهم مؤسسي حركة كوبرا. كذلك لا يمكن تجاهل السنة التي رسم فيها ريمبرانت لوحته الشهيرة الحراسة الليلية على سبيل المثال. او حتى معرفة السنة والشهر واليوم الذي سافر فيه فنسنت فان غوخ من هولندا الى باريس.
بيع الكلام في حارة السقايين
[post-views]
نشر في: 14 أكتوبر, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...