TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الطفل ..الضحية

الطفل ..الضحية

نشر في: 14 أكتوبر, 2016: 09:01 م

في يوم العاشر من محرم، شاهدت الفيديو الذي ظهرفيه الطفل الرضيع المخضب بالدم بفعل اخضاعه من قبل اهله لممارسة (التطبير) وهوعلى سرير المستشفى بين ايدي اطباء وممرضين يرددون بألم "انها جريمة"... وفي اليوم التالي، انتشر خبر وفاة الطفل متأثرا بجراحه..
منذ عقود ونحن نشهد موت الأطفال المجاني في العراق بطرق مختلفة ..ففي الثمانينات ، تناثرت اجساد الاطفال ضمن ابادة جماعية حولتها الى جثث متخشبة في مجزرة الأنفال ، وفي التسعينات ، دفنت عوائل كاملة مع اطفالها تحت الأنقاض بفعل قصف العدوان الثلاثيني ثم الإبادة الجماعية التي اعقبت الانتفاضة الشعبانية ، ثم قضت امراض سوء التغذية وشحة الغذاء والدواء بفعل الحصار الاقتصادي على مئات الاطفال العراقيين ..
وحل التغيير ، واستبشرنا خيرا بأن ننتشل الطفل العراقي من معاناته ونجعله ندا لأطفال الدول الاخرى ، لكن رياح التغيير تحولت الى عاصفة شديدة اقتلعت الأمان والاستقرار وكانت نتيجتها ان اصبح الدم العراقي هو الأرخص ثمنا بين كل الأشياء الاخرى التي ارتفع سعرها كثيرا كالسعي الى المال والسلطة واشاعة العنف والطائفية والعديد من الآفات ففقدنا ارواحا غضة لايحصى عددها مابين مجازر تنظيم القاعدة ثم داعش والانفجارات والحرائق وحوادث العنف ..بهذه الطريقة ، اصبح منظر طفل يتحول الى قطعة متفحمة او اشلاء مقطعة اقرب الى الحدث العادي ، أما خبر وفاة طفل قدمه والداه لسفك دمه بالتطبير فلايمكن ان يمر مرور الكرام امام كل من يمتلك الانسانية ويفهم الدين بعقله ووجدانه وعقيدته الخالية من التشويه ..
ربما سيظهر من يدافع عن ظاهرة التطبير باعتبارها شعيرة اجازها كبار مراجع الدين ، ولن ادعي معرفة خلفية هذا الجواز واسبابه ، لكني اعرف جيدا ان الدين يحرم ايذاء النفس او القتل بغير حق ، وان من يعشق الإمام الحسين ويريد ان يعبر عن حزنه وجزعه لاستشهاده ،سيكون اولى به ان يقتدي به ، بسيرته ، بايمانه وقضيته الخالدة ، بسعيه لتحقيق الحق والعدل في زمن اختلال الموازين ..
مؤخرا ، شاب بعض الشعائر الحسينية المعروفة الكثير من المبالغة وتحول بعضها الى مهرجان لاستعراض البدع الجديدة ..وصار يمكن ان نرى الرجال يتقافزون في حلقات حاملين سيوف التطبير ترافقهم الطبول والآلات الموسيقية ، او يتمرغ البعض في الوحل او يسير على الجمر ، عدا ممارسات اخرى كثيرة لاتمت للدين او المذهب الشيعي او حب الإمام الحسين بشيء ..ومؤخرا ايضا ، ظهرت دعوات عديدة من جماعات وافراد ومراجع دين وشيوخ مجالس حسينية تقول بضرورة تهذيب الشعائر الحسينية وأن يقتدي الناس بالحسين كمصباح للهدى  وسفينة للنجاة  ، وان يستثمروا ماينفقونه من اموال في ذكرى استشهاده –على سبيل المباهاة – على خدمة مجتمعهم وابنائهم ، فالطفل العراقي بحاجة حاليا الى من يضعه على جادة الصواب ويمنحه فرصة للحياة الكريمة لا لمن يقدمه ضحية  لجهله بمبادئ الإمام الحسين وقضيته ويعرضه رضيعاً لضربة ( القامة ).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram