لنفترض، مجرد الافتراض، أنّ أفراد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق منذ 2003 حتى الآن اجتمعوا كلهم في مكان واحد: طائرة ضخمة – لن تكفيهم - أو قطار أو باخرة أو ملعب رياضي، ثم انفجر بهم المكان وأودى بحياتهم جميعاً (بعيد الشرّ عنهم).
كيف سيكون ردّ فعل العراقيين على حادث مُفترض كهذا؟
بالتأكيد لن يبكي ضحايا الحادث ولن يحزن عليهم ولن يشعر بالأسى والأسف عدد من العراقيين يُمكن أن يُقارن بعدد العراقيين الذين بكوا وحزنوا وشعروا بالأسى والأسف لرحيل الفنان يوسف العاني الذي شُيّع جثمانه إلى مثواه الأخير في بغداد أمس.
لم يكن يوسف العاني رئيساً للدولة أو لأيٍّ من سلطات الدولة الرئيسة، ولا وزيراً في الحكومة.. ولم يكن يوسف العاني زعيماً لحزب أو رئيساً لكتلة أو قائداً لميليشيا .. مع ذلك بكاه العراقيون أو حزنوا أو شعروا بالأسى والأسف لموته، في طول البلاد وعرضها وفي كل المنافي العراقية. والعراقيون الذين فعلوا هذا هم من مختلف القوميات والاديان والمذاهب والاتجاهات السياسية. لم يسأل أحد، من هؤلاء الذين بكوا وحزنوا وشعروا بالأسى والأسف، عن هوية يوسف العاني القومية أو الدينية أو المذهبية أو السياسية.
عراقاً مصغراً، كان يوسف العاني .. اجتمعت فيه قوميات العراق وأديانه ومذاهبه وتياراته السياسية الوطنية. وكان هذا واحداً من الاسباب التي جعلت العراقيين جميعاً تقريباً يحبونه ويشعرون بالخسارة الجسيمة لرحيله.
ويوسف العاني كان فناناَ حقيقياً وعظيماً، قدّم للعراقيين، عبر فنّه، المعرفة الأصيلة والمتعة الراقية.
عندما اعتلى يوسف العاني خشبة المسرح لأول مرة في حياته (1944)، كان الناس يُسمّون الفنان "شعّاراً"، وهو تعبير كان يوصف به الراقصون والطّبالون في الملاهي الليلية الرخيصة. وفي غضون سنوات قلائل جعل يوسف العاني، والثلّة الخيّرة من زميلاته وزملائه الوطنيين المثقفين، للفنان مكانة اجتماعية تتقدم على مكانة الضابط والطبيب والمهندس. لم تكن المهمة يسيرة بيدَ أنّ الثقافة الرصينة والوطنية الخالصة اللتين قدمهما يوسف العاني وثلته هما ما أحدثا ذلك الإنقلاب في نظرة الناس الى الفنان والفن.
كان يوسف العاني فناناً تنويرياً رائداً ووطنياً مخلصاً .. هذا ما جعل الأفئدة تحبه والعقول تجلّه والنفوس تقدّره وتحترمه.
بخلاف يوسف العاني يتصرف أفراد الطبقة السياسية الحاكمة الآن، ولهذا السبب لا يحظون بعُشر معشار الحب الذي يكنّه العراقيون ليوسف العاني وأمثاله .. ولهذا السبب لن يبكي العراقيون ولن يحزنوا ولن يشعروا بالأسى والأسف من أجل أفراد هذه الطبقة، حتى لو رحلوا كلهم دفعة واحدة في يوم واحد في حادث يعصف بهم جميعاً.
يوسف العاني .. حبّ لا يناله الساسة
[post-views]
نشر في: 14 أكتوبر, 2016: 06:03 م
جميع التعليقات 1
ييلماز جاويد
صحيحٌ ما ذكرت ، فوالله يستحق يوسف العاني تقديراً لخدماته الجليلة لأبناء بلده ولوطنه أعلى الأوسمة ، ولذلك يبقى إسمه مع الخالدين . ملاحظة : ما رأيت كلمة ثلة مناسبة للجماعة الذين عملوا مع يوسف العاني ففيهم عمالقة كبار منهم خليل شوقي وسامي عبد الحميد وزي