نشرت مجلة النيويوركر مقالة بقلم روبين رايت وهي من كتاب المجلة منذ عام 1988عن جولتها الاخيرة في العاصمة اللبنانية بيروت :طوال خمسة عشر عاما، كان موقع المتحف الوطني في بيروت واحدا من أخطر الأماكن في المدينة الأكثر عنفا في العالم. فقد كان يقع في م
نشرت مجلة النيويوركر مقالة بقلم روبين رايت وهي من كتاب المجلة منذ عام 1988عن جولتها الاخيرة في العاصمة اللبنانية بيروت :
طوال خمسة عشر عاما، كان موقع المتحف الوطني في بيروت واحدا من أخطر الأماكن في المدينة الأكثر عنفا في العالم. فقد كان يقع في منتصف الخط الأخضر القاتل، الذي كان يقسم المدينة الىى بيروت الشرقية والغربية وكان يعد واحدا من نقاط العبور الخمسة الوحيدة بين سكان المنطقتين عندما كنت أعيش في بيروت، في الثمانينات من القرن الماضي، كنت اندفع مثل المجنونة على طول معبر المتحف خلال اوقات وقف إطلاق النار التي تحصل بين الحين والآخر لأجل الحصول على حاجاتنا من المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية الاخرى من الضاحية الشرقية ، ثم أأمل أن يستمر وقف إطلاق النار بما فيه الكفاية بالنسبة لي لكي اهرع إلى الضاحية الغربية. كان القناصة يتمركزون داخل وحول المبنى لاصطياد الناس العابرين حتى عندما كان من المفترض أن تكون البنادق صامتة.
شاركت في الحرب الأهلية في لبنان، التي بدأت في عام 1975، العديد من الفئات و اللاعبين المحليين والإقليميين، لكنها تدور اساسا بين المسيحيين و المسلمين، الذين تقاتلوا على تقسيم السلطة السياسية في البلاد مع ثماني عشرة طائفة معترف بها. وقتل في هذه الحرب نحو 250 الف شخص، وفرَّ الكثير من اللبنانيين من البلاد. انتهت الحرب في عام 1990، مع الاتفاق على تقسيم السلطة والمناصب مناصفة.
نتيجة لتلك الحرب فقد تم تدمير المتحف الوطني، الذي بني على الطراز الفرعوني في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر،. "وكانت تتخلل واجهته الخارجية ثقوب احدثتها القذائف في حين كانت الجدران الداخلية مغطاة بالشعارات التي كتبها على الجدران مسلحي الميليشيات الذين حولوا المتحف الى ثكنة عسكرية..
في محاولة لانقاذ محتوياته، التي يعود تاريخها إلى أكثر من عشرة آلاف سنة، خبأ مدير المتحف، موريس شهاب، القطع الصغيرة من التماثيل المذهبة والعملات القديمة، من الذهب والمجوهرات، والطين والفخار في مخازن الطابق السفلي بعد اندلاع الحرب. وكان لا يعرف المكان السري الذي تختبئ فيه تلك التحف الفنية التي لا تقدر بثمن والتي تمتد من العهود البرونزية والحديدية، وكذلك الفينيقية والفارسية واليونانية والرومانية والبيزنطية،وسنوات الفتوحات الاسلامية والعثمانية. الا عدد قليل من الاشخاص لا يتجاوز عددهم اصابع اليــــد.
لم تنجو كل مقتنيات المتحف. فقد كانت قطع كبيرة تهوي تحت الخرسانة. وفقد خمسة وأربعين صندوقا من الكنوز الأثرية بسبب نيران القذائف. وادى تسرب مياه الأمطار والرطوبة الى تآكل اللوحات الفنية المخبأة في مخازن الطابق السفلي. لم يكن أحد يتوقع ان الحرب ستطول هكذا.
استغرقت عملية اعادة بناء االمتحف بشكل كامل اربعة عقود تقريبا اي ما يساوي تقريباثلاثة مرات بقدر اعوام الحرب ذاتها. زرت بيروت مؤخرا ، فيما كان يقام احتفال بمناسبة وصول عملية اعادة بناء المتحف الوطني الى مرحلتها النهائية ، وفي الافتتاح الكبير قالت لي . آن ماري عفيشي التي تشغل حاليا منصب مديرة المتحف "بعد واحد وأربعين عاما من الإغلاق بسبب الحرب الأهلية، هانحن نفتتح المتحف من جديد ،نحن مثل طائر الفينيق" "وهذه ولادة جديدة. "
وبالنسبة لبلد لا يزال يشعر بقلق بالغ من التوترات السياسية، فان، الخمسمائة قطعة المعروضة ربما تكون مناسبة:فهي تتناول الفن الجنائزي، منذ عصور ما قبل التاريخ إلى القرن التاسع عشر. ومن بين المعروضات الأكثر إثارة هو صف من واحد وثلاثين تابوت ، و على وجه كل متوفي منحوتة من الحجر الأبيض، والخلفية من الجدران المظلمة، ويعود تاريخ التوابيت إلى ما بين القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد. ولكنها لم تكتشف حتى أواخر القرن التاسع عشر. وتقول عفيشي انها أكبر مجموعة واحدة من التوابيت تعرض في أي مكان في العالم. ويضم الطابق السفلي أيضا الغرفة المزخرفة لمقبرة رومانية اكتشفت في صور وأعيد بناؤها في المتحف، وكذلك المجوهرات والأشياء الشخصية، وحتى المواد الغذائية التي تحجرت من المقابر. ويحتوي المتحف على غرفة للتحكم في درجة حرارته للحفاظ على هياكل عظمية محنطة طبيعيا من القرن الرابع عشر..
"وتقول عفيشي عن محتويات المتحف "، "من خلال جمعها يمكننا أن نفهم تاريخ الحضارات التي مرت في هذا البلد وصهرتنا جميعا في بوتقة واحدة. انهاجزء من عملية الشفاء لمعرفة كيف تعايشت أفكار كثيرة، ومعتقدات، وعادات متنوعة ضمن شعب واحد ومساعدتنا على فهم تعقيدات المجتمع اللبناني. لقد استوعب شعبنا كل هذه الثقافات واصبح على ما نحن عليه اليوم. وهذا دليل على امكانية عيش ابنائه معا، وهذا يفيدنا خصوصا اليوم، عندما تواجهنا الكثير من المشاكل ".
عن: النيويوركر