أثناء تصفحي لموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وجدت صور الفنان التشكيلي فهمي القيسي منشورة في عدد من الصفحات الخاصة بعدد من اصدقائي، واساتذتي، وبعض الصفحات الخاصة بالمؤسسات الثقافية والتشكيلية، لم يشدّ انتباهي ما كُتب أعلى الصورة لأن أكبر ما تو
أثناء تصفحي لموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وجدت صور الفنان التشكيلي فهمي القيسي منشورة في عدد من الصفحات الخاصة بعدد من اصدقائي، واساتذتي، وبعض الصفحات الخاصة بالمؤسسات الثقافية والتشكيلية، لم يشدّ انتباهي ما كُتب أعلى الصورة لأن أكبر ما توقعته أن يكون القيسي مدعوا ضمن جلسة خاصة للاحتفاء به في احد المُلتقيات الثقافية، ولكن عدد المنشورات المبالغ بها عن القيسي فاجأني ودفعني لقراءة ما كُتب عنه، وكان هذا صادماً لي.
أعلم أن الصحفي عليه أن ينسلخ من ذاته حين يكتب عن حدث ما وأن ينقل آراء الآخرين، ولكن حين نكتب عن رحيل فهي القيسي لايُمكن أن أنسلخ عني، فهُنا ستمتزج ذاكرتي بقلمي، ومشاعري بحروفي، وسأتذكر أن القيسي طالما حثني كثيراً، منذ دخولي الوسط الصحفي، ومن خلال لقاءاتي به، كنت عند نهاية كل لقاء أو وقفة مع هذا الرجل أغادر مصحوبة بثقة عالية بالذات وابتسامة عريضة محمولة بأمل كبير، وشيء من الحياة رغم ما يُحيطنا من ألم، إلا أن تواجد القيسي في أي مكان سيبعث فيه الابتسام، ذلك أنه يحمل نفسا فكاهيا خاصا، وروحية رقراقة نبيلة وشفافة، فوداعاً فهمي القيسي.
أسلوب التصميم في أعماله
خبر رحيل القيسي وقع كالصاعقة على الجميع، فمنذ أيام قليلة جداً التقيناه وكان على خير ما يرام، التشكيلي شداد عبد القهار صُدم حين أبلغناه بهذا النباْ، وقال "كل الفنانين على علاقة ممتازة بالراحل، فالجميع يحبونه دون استثناء."
وأشار عبد القهار مُتحدثاَ عن أعمال القيسي " ان لفهمي القيسي مدرسة خاصة، فهو ملون ممتاز، وتتميز اعماله بطابع تصميمي، حيث أدخل التصميم كعنصر اساسي في اعماله، واستخدم الوانا نقية، وشارك في العديد من المعارض العربية والعالمية والمحلية."
بذكاء أثبت تجربته الخاصة
قد يكون رحيل القيسي " الفنان " خسارة كبيرة أكثر من كونه " انسانا " فالموت قدر باستطاعته أن يتمكن منا جميعاً، ولكن رحيل فنان قادر على العطاء حتى لحظات حياته الأخيرة هذا ما يُعد خسارة، ويقول الفنان التشكيلي قاسم سبتي عن القيسي " يجب أن نشير ان تجارب القيسي مميزة ولاتشبه تجارب أخرى، فكل انسان يشاهد لوحاته لا يستطيع إلا ان يقول فهمي القيسي، فاللوحات تحمل روحه." وأكد سبتي " كانت تجربة القيسي تقنينا اكثر من تجريب، فهو مصمم معروف منذ بداياته، وقد جاء القيسي ضمن جيل مميز يضم اسماء كبيرة في الستينات من القرن الماضي، وهو نتاج تجربة ذاتيه ولم يعكس ظلال فنانين اخرين."
وأشار سبتي "أن القيسي استطاع تأكيد تجربته رغم صعوبة المنافسة مع ابناء جيله الذين عدّوا من اكبر الاسماء التشكيلية، التي ازدحمت في وسط الفن التشكيلي آنذاك، ولكن القيسي وبذكاء ابتعد عن كل تجارب الاخرين واثبت تجربته الخاصة به." وأشار " من الصعب أن نصدق أن القيسي غادرنا فهو خسارة كبيرة للذين يعرفون كم هو نبيل."
خسارة كبيرة للوسط التشكيلي
يتفق الجميع بأن للقيسي روحية خاصة، فهو صديق من طراز خاص ومميز لدى الجميع، فيقول مدير عام دائرة الفنون التشكيلية د. شفيق المهدي "ان القيسي صديق وأخ، ارتبط به بعلاقة قديمة تغمرها الكياسة والاحترام، والعطاء المتجدد."
يبدو أن اعمال القيسي تمتاز بروح خاصة، لا نجدها في أعمال فنانين أخرين، حيث يقول المهدي " أن استايل القيسي خاص برسم اللوحات، فهو متجدد واستطاع أن يثبت معنى كبير لأعماله داخل حركة الفنون، وهو ليس من المكثرين بتقديم الاعمال ولكنه يقدم طروحات مميزة وخاصة لاتتكرر."
وأكد المهدي "خسارة القيسي لا تعوض، فهو تشكيلي من الطراز الاول وعياً وفكراً وانجازاً." مُضيفاً " أن خبر وفاته مؤسف جداً ولكن هذه هي الحياة فهو خسارة كبيرة للوسط التشكيلي والجميع يعرف هذا."
القيسي لم يترك فجوة بينه وبين الجيل الجديد من الفنانين التشكيليين، فهو قريب من جيل الشباب وصديق لهم، كما أنه داعم لإبداعاتهم " إن كانت تستحق الإشادة والدعم " هذا ما أكدته الفنانة ندى الحسناوي مديرة قسم الرسم في دائرة الفنون التشكيلية، واضافت " أنه صديق راقٍ وفنان مهم، وخير من يمثل الفن التشكيلي في العراق."
وأشارت الحسناوي قائلة " تلقينا بألم خبر رحيل القيسي الذي يُشكل إعاقة للحركة الفنية في العراق، لأنه يمتلك روحية فنان خاصة وإمكانات كبيرة، كما أنه ما يزال قادراً على العطاء وبحب." وأكدت الحسناوي " باختصار يمكن أن نُشير لرحيل القيسي بجملة مقتضبة "خسارة كبيرة للفن والفنانين" فهو فنان سابق الوقت في موته المفاجئ في الوقت الذي لا يزال منتجاً ومبدعاً ومتألقا وله فضل كبير على الحركة الفنية العراقية."
جيل ما بعد الرواد
جيل ما بعد الرواد، الذي ضم اسماء كبيرة جداً امثال رافع الناصري واسماعيل عبد الفتاح وعلي طالب وغيرهم اشتغل هذا الجيل الحداثة بشكل اخر مدهش، وكان القيسي واحداً منهم، حيث يقول الناقد حسن عبد الحميد "ان القيسي واحد من جيل ما بعد الرواد وهم فنانون كبار، وكانت له انشغلات شكلية ولوحة خاصة، لاتشبه اي احد، وكان القيسي انيقاً في استخدام الألوان فهو يشغل بصيرة المتلقي من خلال لمساته التصميمية."
وأضاف عبد الحميد " أن القيسي كان مصمماً لجميع الأجنحة العراقية المشاركة في معارض دولية، وقد نجح في ذلك، فنفسه التصميمي هو ما اعطى للوحاته الاثارة والدهشة، فهو يرسم عوالم وتصورات وله بعض الاعمال التي رسمها بالباستيل والتي رفض عرضها، لأنه كان دقيقاً جداً في تقديم لوحاته."
القيسي محب للجمال ومبتكر له، صنع عوالم الجمال المليئة بالحب ونبض الحياة عمل على تطوير كل ما قدمه، وهو التشكيلي الوحيد الذي نجح باستخدام اللون الذهبي والفضي بنجاح في الوقت الذي فشل أي فنان تشكيلي بأستخدامهما.