1-4
ماذا يُطلق عليها؟ الجزيرة السجن؟ غوانتنامو؟ أم ببساطة: جزيرة لسبوس، كما هو اسمها دائماً، على الأقل حتى العام الماضي، العام الذي تحولت فيه إلى مكّة الهاربين من بلدانهم، إذا هي ليست موطئ قدمهم الأول في طريقهم إلى الأرض الموعودة أوروبا. لا أدري أي الأسماء يليق. كل ما أدريه، هو أن هذه الجزيرة، حصن أوروبا الأخير الذي يفصلها عن آسيا مسافة قرابة ساعة في الباخرة، لم تعد كما كانت عليه الماضي، انها كل شيء باستثناء أن تكون جزيرة طبيعية، منذ أن أصبحت مكان الإقامة الجبرية الترانسيت لكل أولئك الذين توقف طريقهم عندها، ينتظرون غودو الذي لا اشارة له، أن سيأتي.
ليست هناك احصائية رسمية لعدد المهاجرين في الجزيرة، ليس لأن العدد في تغير دائم بسبب رحيل بعضهم وقدوم البعض الآخر في المعسكرين اللذين بُنيا في الجزيرة، بل لأن شؤون أغلب المعسكرات التي تؤوي المهاجرين العالقين في اليونان، أصبح تحت اشراف العسكر اليوناني. أمر مفهوم، كل ما يقع تحت يدي العسكر ينتمي للأسرار العسكرية. فمثلاً بدون تصريح رسمي من مكتب خاص بتنظيم شؤون اللاجئين في مركز العاصمة ميليتينه، غير مسموح لأحد بهوية صحفية أو غيرها ولو الاقتراب من بوابة المعسكرين، فكيف هي الحال، إذا شاء أحد زيارة المعسكر، التحدث مع الناس، أخذ الصور.
ممنوع التصوير، هي القطعة التي يواجهها الزائر عند مدخل معسكر مويرا ومعسكر كارا تيبه على جزيرة ليسبوس، وعند مدخل المعسكرات الأخرى القريبة من مدينة تسالونيكي وبوليكاسترو. قطع كبيرة حقيقة، ذكرتني الديباجة المكتوبة عليها "ممنوع .." بخط كبير بأيام حكم العسكر في بلداننا العربية، دون أن ننسى، أن العسكر هم العسكر في كل مكان، وأن التجربة التي تركها العسكر اليونانيين خلفهم حتى الآن، أكثر من قاتمة، ألم يُطلق على تلك الحقبة التي فرضوا فيها على بلاد أرسطوطاليس وأفلاطون وسقراط، ديكتاتورية العقداء أو "خوندا" من عام 1967 حتى 1974، حيث ان الذين قاموا بالانقلاب كانوا برتبة عقداء في الجيش اليوناني، بالحقبة المظلمة؟ ومن يسأل أحد أفراد الجيش الذين يحرسون مدخل معسكر مويرا مثلاً، لماذا ممنوع التصوير، سيقول "ممنوع" أو "هكذا هو الأمر ممنوع ببساطة"، لأنه نفسه لا يعرف لماذا، باستثناء، أنها الأوامر، طبعاً، يمكن تجنب ذلك، بالذهاب إلى المكتب المختص بشؤون اللاجئين في مركز المدينة للحصول على تصريح، لكن المكتب مغلق أغلب الوقت، اللاجئون، ليس في مويرا وحسب، بل في كل المعسكرات الباقية التي زرناها، يسخرون من ذلك، يقولون فقط الصحافة الاجنبية ممنوع عليها الدخول، الصحافة والتلفزيون اليوناني يصورون هنا في الأوقات التي تحلو لهم، وهم ينقلون طبعاً دائماً صورة ايجابية عن الحياة في المعسكرات.
لكن هل الميديا وحدها تكذب؟ ماذا عن المنظمات الحكومية وغير الحكومية، ومنظمات الأمم المتحدة، كل تلك المنظمات التي تدعي أنها هناك لمساعدة اللاجئين؟ ألا تكذب هي الأخرى على طريقتها، الموظف اليوناني المدني مثلاً الذي يشرف على معسكر كارا تيبه، ولا أدري إذا كان العسكر سلمه هذه المهمة، أم أن المعسكر هذا هو استثناء لا يقع تحت إشراف العسكر، لأنه رسمياً معسكر حالات خاصة جداً، المشرف هذا، أخبرنا وهو يجيب على سؤالي، لماذا غير مسموح لي الحديث مع اللاجئين، بأن يفعل ذلك حرصاً على مزاج المهاجرين، انهم صيام، في شهر رمضان يجب تركهم مرتاحين، السوريون والعراقيون الذين التقيت بهم عند باب المعسكر، أخبروني غير ذلك، عدد الصائمين في المعسكر قليل، من يصوم تحت هذه الظروف غير الإنسانية؟ أنها إدارة المعسكر التي تحجب علينا الأكل بحجة أننا صيام، قالوا لي، أنهم لا يريدونكم أن تعرفوا الحقيقة؟
يتبع
في زيارة آخر حصون أوروبا
[post-views]
نشر في: 18 أكتوبر, 2016: 09:01 م