استوقفني بعضُ ما ترجمته الروائيةُ لطفية الدليمي، من وصايا أئمة الهنود الحمر لأتباعهم، على أهمية الوصايا كلها، فوالله، لهي من عيون ما أنتجت الانسانية من كلام، يقول:" لا تكلِّم الآخرين أبدًا بطريقة سيئة؛ فالطاقة السلبية التي تبثُّها في الكون سوف تتضاعف عندما تعود إليك." أستحضر هذه، وأنا أشير الى الخطأ الذي وقعتُ فيه أمس، حين كتبتُ بصفحتي على الفيسبوك ما فُهِمَ من البعض،على انه يحمل روائح طائفية، وهذا ما لم أحدّثُ نفسي به يوما، أبداً، وما لا أقبله لي صفةً. سارعت، ورفعت البوست، وحاولت نسيان الأمر، غير أنني أحسست بفداحة ما كتبت وما فهم، كنت أفكر بوصية المعلم الهندي، بالطاقة السلبية،التي تبثها كلماتي في الكون، وبمضاعفاتها حين ترتد الي. أنا تعلمتُ الدرسَ، كان المعلمُ الهنديُّ الأحمر بليغاً جداً.
كان أهلنا يزرعون في بساتينهم ما يحتفظون به من بذور الموسم الماضي، وهذا دأبهم، منذ عشرات ومئات السنين، ويجد زائرهم حبّات اليقطين الأبيض والأحمر معلقة على أخصاص بيوتهم، وإلى جانبها يجد صرر بذور الخيار واللوبياء والباذنجان والقثاء والطماطم وغيرها مما يغرسون، وذهبوا الى أبعد من ذلك، فهم يؤصّلون ويعرّبون بذورهم، وهذا دأبهم منذ ان خلق الله الأرض، وجعل منهم الفلاحين والمغارسين والزارعين، وقد أخذت عنهم والى اليوم صنعتهم الربّانية هذه، لا لأني غارس وزارع كبير، لكنني أخشى على أصول زروعهم من الفقد والضياع، انا آخر الحراس على بذورهم . أنا الهندي الخصيبي الاخير.
ما اخشاه حقا، هو اليوم الذي أفقد فيه القدرة على الاحتفاظ بالبذور هذه، ذلك لأنني والى اليوم، هناك من يأتي ويسألني عن بذور أبي وعمّي العريبة، وما إذا كنتُ احتفظ بشيء منها، سياتي اليوم الذي أفقدها فيه، نعم ، أنا على يقين من ذلك، لكنني ساظل أحفظ عن ظهر قلب مواسم زراعتها وأويقات غرسها ومنابتها، هي روحهم التي لا تبارحني، تعاليم الهنود الخصيبيين الخالدة في روحي، أولئك الذين ورثت عنهم سمرتهم وبشاشتهم وصلابة أذرعهم أيضاً. هل أقول بأنَّ أبي نصحني بان لا ألتفت ناحية الرجل الذي تسلق نخلتنا البرحية، ظهيرة أحد الايام، بقصد مناله من رطبها ، فقد ظل يصيح بي: لا تجعله يسمعك او يراك، أتركه، كأنك لم تره، حتى إذا اجتزنا غابة النخل وضعنا فيها، راح يقول لي: لو كان يملك من الرطب ما يقوّت به عياله ما قصدنا لصاً.
يقول الهندي الأحمر: " ابحثْ عن نفسك بنفسك. لا تسمح للآخرين أن يخطُّوا لك دربك. إنه طريقك أنت – طريقك أنت وحدك. يجوز للآخرين أن يقطعوه معك، لكنْ ليس لأحد أن يقطعه عنك." ويقول أيضاً:" الطبيعة ليست لنا، بل هي جزء منَّا؛ إنها جزء من أسرتنا الأرضية."
ظلَّ عبد اللطيف الكباسي(أبو خالد) وإلى اليوم واحداً من أصدق الناس، أخلصهم الى الله والانسان، هو رجل تناسته النبوات، ليس في المدينة الكبيرة من هو على درجته في حب فعل الخير وبث روح الطمانينة وإشاعة الاحسان، زارع من زرّاع ابي الخصيب المعروفين، غارس عظيم للفاكهة والخضار، مربٍ وجانٍ للأبقار والشياه، حريص على اقتناء النادر من النخل في بستانه، لا يتكلم إلا وهو عارف بما يقول ويعني، لم يبخس نملة حقاً في حياته، أدنو منه فآخذ عنه نهج الملائك والرسل وكنت أراهم عنده وهم يصغون له، وهم يتعلمون منه، أشتري فلسفتي في الحياة من حياته بين النخل، أستعير منه ذراعاً لا تشير إلا للخير والنماء، وأنتقي من كلماته ما أصلح به ذات بيني والآخرين. أقصدهُ مثلما يقصد مريدٌ سيّده.
الهندي.. الخصيبي الأخير
[post-views]
نشر في: 18 أكتوبر, 2016: 09:01 م