TOP

جريدة المدى > تقارير عالمية > كتاب في حلقات (7): الانهيار.. قصة الآمال العريضة والفرص الضائعة في العراق

كتاب في حلقات (7): الانهيار.. قصة الآمال العريضة والفرص الضائعة في العراق

نشر في: 20 أكتوبر, 2016: 12:01 ص

الأثنيات تتفاعل فـي كركوك
 
تطوّعت إيما سكاي لتعمل كموظفة مدنية في حكومة سلطة الائتلاف فوجدت نفسها تحكم محافظة كركوك. بعد ذلك أنهت ثلاث جولات من العمل في العراق  لغاية الإنسحاب الأميركي عام 2011. حيث عملت كمستشارة سياسية للجنرال أوديرنو و

الأثنيات تتفاعل فـي كركوك

 

تطوّعت إيما سكاي لتعمل كموظفة مدنية في حكومة سلطة الائتلاف فوجدت نفسها تحكم محافظة كركوك. بعد ذلك أنهت ثلاث جولات من العمل في العراق  لغاية الإنسحاب الأميركي عام 2011. حيث عملت كمستشارة سياسية للجنرال أوديرنو والجنرال بيترايوس. تسرد إيما في هذا الكتاب قصّة الآمال التي توقعها العالم والشعب العراقي وحتى بعض الأميركيين لمستقبل العراق بعد إزاحة نظام صدام، لكن ما حدث على أرض الواقع كان غرقاً في مستنقعٍ من العنف والإرهاب وحرب الآخرين على الأرض العراقية.
تروي في هذه التسجيلات تفاصيل الأحداث الجسام التي رافقت نشوء الدولة العراقية وتشكّلها بعد عام 2003. كيف سارت؟ وكيف برزت الأسماء المحلية؟ وكيف اختفت أسماء أخرى؟ ومن هي الأيادي التي كانت توجّه السياسة العراقية وبناء الدولة؟
هذا الكتاب يسرد القصة من الداخل. من مكاتب الجنرالات الأميركيين مرّة ومن مكتب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مرّة أخرى. ومن اجتماعات السياسيين والشركات التي يفترض بها إعادة اعمار العراق ايضاً.
هو كتابٌ وصفته مجلة نيويوركر الأميركية بأنه "يشرح كيف إنهار كلّ شيء في العراق"، واعتبرته صحيفة الغارديان البريطانية "أداة لا غنى عنها لفهم خلفية هذا الفشل في العراق"، وهو في الأصل "يوميات ممتازة وسريعة الخطى تعتمد كلياً على ذكريات "إيما"، كما  قالت مجلة فورين أفيرز الاميركية.

كان اسم (عبدالفتاح الموسوي) يتردد كثيراً في كركوك. وكان هناك الكثير من الكلام عن جلساته في جامع الحسيني، وعن منشوراته الدعوتية، وعن أناس استقدمهم للمثول أمام محكمته (الإسلامية!)التي شكّلها هناك. كنت أعرف القليل عنه، ليس أكثر من كونه شابا عربيا شيعيا قادما من النجف،وهو من أتباع رجل الدين الحماسي مقتدى الصدر.وإنه قد وصل حديثاً جداً بعد الحرب(2003) الى كركوك. وخلال عملية تشكل مجلس الحكم، جرى استثناء مقتدى الصدر، وهو الأمر الذي يخشى معه أن يدفع بأتباعه (ومعظمهم من الفقراء والطبقة المسحوقة من الشيعة) الى التذمر ورفض الوجود الأميركي. لقد كان مصمماً على مناهضة ما يراه إنه تحالف مشين بين القوميين الأكراد والإسلاميين الشيعة في تراصفهم مع قوات التحالف. لقد كانت الاتهامات توجّه الى مقتدى الصدر بوقوفه خلف مقتل عبدالمجيد الخوئي في النجف نيسان 2003، عبدالمجيد الذي كان إبناً لأحد أهم القيادات الدينية في العالم الشيعي، وجاء مقتله بعد أسبوع من عودته الى العراق بعد أن قضى عقوداً في المنفى.
وفي تشرين الأول من عام 2003، اتفقنا أنا والعقيد مايفيل على أن الوقت قد حان من أجل زيارة      عبدالفتاح الموسوي في مسجد الحسيني، ووافق الشيخ عكار* الذي كان يتردد على المسجد أن يصحبنا الى هناك. وجلب لي عباءة نسائية تعود لابنته كي أرتديها وقال إنها هدية لي. ثم استقلينا السيارة ولففت نفسي بالعباءة وسط دهشة الجميع وركب معنا الشيخ عكار، الذي قال:"أنتِ الآن بمقام إبنتي"، كانت تلك المرّة الوحيدة التي أخفيت نفسي فيها في كركوك.
*المقصود هو الشيخ عكار نزال الطويل من شيوخ عشائر بني جميل.
وعلى حائط المسجد كانت هناك ملصقات ورقية معلّقة كُتب عليها:"لا تَدَعوا قوات الاحتلال تكتب لكم دستوركم أو تُعيِّـن مجلساً يكتب الدستور، نحن مع الدستور، لكن مع الدستور الذي يمثلنا وليس الذي تكتبه قوات الاحتلال".
ثم دخلنا عبر بوابة المسجد، ودخلنا اليه، خلعنا أحذيتنا ودخلنا الى غرفة يكون الجلوس فيها على الأرض، وجلسنا قرب عبدالفتاح الموسوي.
ظهر لنا الموسوي منفتحاً ومسترخياً جداً، لقد كانت هيئته تدل على إنه في العشرينيات من العمر، وقال:إنني أبذل كل الجهود الممكنة من أجل الحفاظ على الاستقرار في المدينة. أنا بإمكاني حفظ الأمن، ما أقوله سيستمع إليه الكثيرون، لكن الأميركيين وهم القوة العظمى، يبدو أنهم يفضّلون الكُرد علينا نحن العرب والتركمان. إن العرب والتركمان يعيشون سوية في تناغم على الأرض، لكن الكُرد يستحوذون على كل شيء، أنظري الى محافظ المدينة وهو كردي، ومدير الشرطة وهو كردي، الكُرد يهددون مساكن العرب ويكتبون على الجدران كلمة (محجوز للأكراد) أو (للبيع) وذلك على جدران مساكن العرب".
فأجابه العقيد مايفيل بأن هناك الكثير من غير الأكراد في الحكومة المحلية، وإن التوازن في التمثيل الأثني في كركوك هو أكثر بكثير مما يظنّه الناس، لكنه اعترف بأن هناك نوعاً من عدم التوازن في قوات الشرطة، وإن قوات التحالف كانت تفحص سجلات الرواتب وفي طريقها الى إصلاح هذا الأمر. ثم قال الموسوي إنه يرى الأعلام الكردية والأسماء الكردية واللافتات الكردية أينما يذهب في دوائر الدولة والشرطة. ومن جانبه أكد العقيد مايفيل أن قوات التحالف ملتزمة بتحقيق التوازن بين جميع المكونات في المدينة، وسوف تمضي فيه.
وأمهل الموسوي العقيد حتى ينتهي من كلامه وقال: إن كركوك عانت من الظلم لأكثر من ثلاثة عقود. وإن مستوى الأمن اليوم هو تحت الصفر بوجود أعداد كبيرة من الأكراد يأتون من السليمانية وأربيل. وان كل شخص يخشى أن يلقى حتفه في أية لحظة، حتى أن البعض صار يتمنى عودة نظام صدام بسبب المستوى المتدني للأمن في المدينة، لكن وفقاً للتعاليم الاسلامية، فلا يجوز تفضيل فئة على أخرى، ثم قال"إننا نحب جميع خلق الله بالتساوي وبلا تمييز".
استمر اللقاء الى ما يقرب الساعة أو أكثر، ورأينا انه كان لقاءً مثمراً، لقد دخلنا الى المسجد وجلسنا فيه واستمعنا الى آراء بعضنا البعض، وتوصّلنا الى فهم معقول للآخر. وخلال الأسابيع التالية، استلمنا أوامر لاعتقال الصدريين، وكنّا نستثني     عبدالفتاح الموسوي، كنّا نرى بأن الحوار معه دائماً أفضل من المتاحات الأخرى.
وفي الحقيقة لم يحدث أن التقينا الموسوي مرّة أخرى، لكن بعد ذلك بأسابيع حضر الى مكتبي شخص أسمه(مظفر ياس) وقدّم نفسه على أنه رسول من الموسوي، إذ لم يعد بإمكانه لقاءنا مجدداً. فبعد لقائنا الوحيد به، وصل الخبر الى النجف، وصار هناك ما يمنع الموسوي من التواصل معنا مباشرة، لأن التواصل مع الإحتلال أمر غير مقبول هناك، ولذلك فهو سيتواصل معي فقط عن طريق مظفّر ياس، وهو سيكون الوسيط بيننا.
تكلّم مظفر بمديح عالٍ عن عبدالفتاح الموسوي، وقال إن محمد صادق الصدر(والد مقتدى) تمكن من خلق جيل من رجال الدين الشباب الشجعان الذين وقفوا بوجه طغيان نظام صدام. وقبل استشهاده تمكن الصدر من تجميع الأتباع حوله من المهمشين والفقراء وأبناء القبائل والريف المعدمين. وشرح ياس كيف أن قادة الشيعة لم ينادوا بالجهاد بوجه نظام صدام حيث لم يرغبوا برؤية أتباعهم وهم يُذبحون على يديه من أجل لا شيء. وحيث أن الدم العراقي هو المكوّن الأثمن في العراق، وصف ياس مقتدى الصدر بأنه رجل شجاع. وأن جيش المهدي(المليشيا التابع له)هم مجموعة من الرجال القادرين، الذين يمتلكون النيّة والقوّة لإدارة المدينة. وقال"إنهم غير متورطين في القتل أو القتال".
كان مظفر عربياً شيعياً، ومتعلماً بصورة جيدة وقارئاً جيداً، ويتكلم الإنكليزية بمستوى جيّد بالرغم من أنه لم يسبق له أن زار الغرب. كانت أصوله من بغداد، لكن عائلته انتقلت للمعيشة في كركوك حيث أن السكن هنا كان أقلّ كلفة. كان والده معلماً فقيراً، أما هو فقد درس في جامعة بغداد ويعمل حالياً مبرمجاً للحاسبات. كان مظفر قد التحق بالجيش العراقي كمجنّد لغاية الحرب، وبعدها ظنّ الكثيرون أن العراق سيكون مكاناً غاية في الروعة (وفقاً لما شرحه كوجهة نظر يتبناها)، لكنهم تفاجأوا بأن يروا المُقامرة والأفلام الإباحية تُباع بشكل علني في الشارع العراقي!
عاد الينا مظفر بعد أسبوع ببعض الأسئلة الموجّهة لنا من عبدالفتاح الموسوي؛ كم على المرء أن يعيش في كركوك ليُعتبر من سكّانها؟ وقال إن الناس الذين انتقلوا للمعيشة في كركوك، فعلوا ذلك لأنهم كانوا فقراء بالأصل، وليس لأنهم يظنّون أن كل أراضي العراق تعود الى العرب حصراً؟ أجبته بأن الحال في إنكلترا يترك الحرية للشخص أن يسكن أينما أراد من دون أن يؤثر ذلك على مواطنيته، لكن الأمر في الشرق الأوسط يختلف، فالشخص يُعد(وافداً جديداً) إن لم يكن يمتلك جذوراً عائلية تمتد لقرن من الزمان في المكان نفسه.  وفي مناسبة أخرى حمل لي سؤالاً من الموسوي يسأل فيه عن وجهة نظرنا الى البعثيين وكيف نقيّمهم؟ كان سؤالاً مهماً، وأجبته بأنني لاحظت في كثير من انحاء الشرق الأوسط أن هناك تماهياً بين الإدارة المدنية والحزب الحاكم الذي في السلطة، وفي كثير من الأحيان يصعب العزل والفصل بينهما، لكننا لا ننظر بنوع من العدائية الى من وجد نفسه مقيداً ضمن النظام المهيمن، أما أولئك الذين ارتكبوا جرائم باسم البعث فلا يمكن فأمرهم مختلف. وبدا لي مظفر وهو سعيد أن يسمع منّي هذا الجواب.
وقد زارني الدكتور اسماعيل عبودي ليطلعني على البطالة في المحافظة، كان الدكتور هو المسؤول عن التعيينات الحكومية في المدينة. لقد سمعت عنه قبل أن التقيه كثيراً، وكان مجلس المحافظة يرغب بإقالته لأنه تطاول على أعضاء المجلس، لقد كان عربياً شيعياً متديّناً، وقد اقترح عدد من الضباط الأميركيين أنه يجب أن يُعتقل. اشتكى اسماعيل من أن الأكراد يرسلون المئات من المعلمين الى مدارس المحافظة بينما كركوك تعج بالمئات من المعلمين بلا وظائف. وقد وجّه تحذيراً لي بأنني إن لم أُحلّ هذه المشكلة، فإنه سيقود العاطلين عن العمل والبالغ عددهم 35 ألفاً في المدينة في تظاهرة ضدي، قال جملته الأخيرة وخرج من مكتبي. في الحقيقة لم يبذل أي جهد كي يكون ودّياً في النقاش أبداً.
وبالرغم من العدائية التي ظهر عليها في لقائنا الأول، فقد دعوته الى لقاء ثانٍ لنتناقش. وأوضحت له الجهود التي نبذلها في سبيل توفير منافذ توظيف عادلة، وعن المناقشات مع بغداد بشأن اللامركزية. وتناقشت معه في السبل التي يظنّ فيها أحسن الوسائل لإدارة مكتب التوظيف، لقد بينت له أن أفضل المنافذ للإصلاح هي عملية ربط التدريب بالاحتياجات الفعلية وكيفية جذب طالبي الأعمال. لقد كان اسماعيل يخرج مني ممتلئاً بالأفكار دائماً. لقد تناقش اسماعيل معي في الأخطاء التي ارتكبتها قوات التحالف، وقال: ان هذه القوات لم تحاول أن تنفذ وعودها للمواطنين. الناس لم تلحظ أي تحسن في منظومة الكهرباء او مياه الشرب، وهذا ما جعلهم يتعاطفون مع كل صاروخ يسقط على معسكرات التحالف. وقال اسماعيل إن استمر الحال على هذا المنوال، فسيفقد التحالف تعاطف الشارع، وأنه يعمل لوجه الله ولإرضاء نفسه. كان يجد العمل مع الاحتلال أمراً صعباً ، خاصة مع أناس مخالفين له في الدين.
قبل الحرب، كل ما كان يعرفه الناس عن الولايات المتحدة أنها الشيطان الأكبر. كان(الباج) الذي يحمله يُشير الى أنه موظف مدني، وهذا يحمل العلم الأميركي فيه، كان هذا يعني للعامة أنه (عميل) للمحتلّين، وهذا أمر صعب عليه حقاً.
أخبرته بأني أيضاً لا أحب حمل العلم الأميركي في الباج التعريفي، وأخبرته كيف أن عملي كان يتركز في محاربة الفقر في العالمين العربي والإسلامي قبل أن آتي الى العراق. لكن عملي الحالي يحتم عليّ التعاون مع الأميركيين ، وقد سبق لي ان جبت العالم والتقيت بأناس من مختلف الأمم، ووجدت أن الإنسان في الاساس والاحتياجات هو واحد لا يتغير كثيراً. وفي كل مكان أرى الناس وهم يكافحون من أجل لقمة عيشهم، وهم هنا يستحقون المساعدة لأجل كفاحهم هذا. وافقني اسماعيل واقتبس من كلام للإمام علي بالقول" الناس إما نظير لك في الخلق أو أخ لك في الدين".
وفي إحدى أمسيات تشرين الأول، تساءلنا أنا والعقيد مايفيل عمّا حلَّ بمتحف كركوك، لقد كان كل ما تبقى منه هو مجموعة من الإطارات والعارضات المحطمة. كان العقيد محبطاً لفقدان أحد رجاله من الذين يعوّل عليهم. كان يعرف الملازم ديفيد برينشتاين جيداً، كان قد تخرج في أكاديمية ويست بوينت العسكرية. لقد التقيته قبل يوم واحد من مقتله في كمين نُصب له.  كشف لي العقيد وقتها شكوكه عن جدوى كل ما نقوم به، فقدان الأرواح وتلاشي علائم النجاح كانت هي الحقيقة السائدة.
ومن أجل أن أرفّه عنه قليلاً، قلت له "أراهنك بخمسين دولاراً بأننا سنتمكن من إحياء هذا المتحف وإعادته الى العمل قبل نهاية هذا العام". فابتسم وضرب كفّه بكفّي معلناً قبول الرهان.
لقد أُفتتح متحف كركوك عام 1989، حين أسست وزارة الثقافة ثمانية متاحف شبيهة في محافظات مختلفة. وقد جرى تخصيص موقعه في الثكنة *الواقعة  ضمن المجمع  المكون من طابقين الذي يعود الى عام 1864 في بنائه.
*المقصود بالثكنة هي قشلة كركوك التي تعود الى العهد العثماني في بنائها.
اقترحنا أن تكون هذه الثكنة نوعاً من المتاحف التي تحمل الفنون الشعبية، واقترحنا أن يجري تشجير الساحة التي في المقابل لها بأشجار تحمل كلٌّ منها اسم أحد الجنود الذين فقدوا أرواحهم في هذه الزاوية من أرض المعركة. وكلفنا الرائد (هيوارد هيوستن) بمهمة تهيئة الساحة المحاطة بالجدران لتكون مسرحاً ويجري إعدادها. وخلال اسبوعين جرى حدل الأرض وتهيئتها ووضعت البلاطات، وظهرت المنصّة فعلاً. وقام مدير متحف كركوك بدعوة الأهالي الى تزويد المتحف بما لديهم من أنتيكات وتراثيات، وكانت الاستجابة جيدة. وقد جرت دعوة الموسيقيين من مختلف الأثنيات في المحافظة لتقديم عروضهم في يوم الافتتاح. كانت عملية تنظيم قائمة للحضور ليست بالأمر الهين، أرسلنا دعوات الى المحافظ ونائب المحافظ، والى أعضاء مجلس المحافظة والى اعضاء المجالس المحلية في الأقضية التابعة الى كركوك، كما أرسلنا دعوات الى قائد الشرطة والقادة الأمنيين والقادة الدينيين. القليل منهم فقط استجاب للدعوة، ولم يكن بالإمكان معرفة العدد الحقيقي الذي يكون حاضراً. وبينما نتوقع أن العدد الأكبر منهم لن يُحضروا زوجاتهم، فإن هناك عددا منهم سيفعل ويُحضر زوجته. كل هذا ، والجانب الأمني كان مشكلة أيضاً، إذ نتوقع أن يكون هذا الحفل هدفاً للهجمات الارهابية المحتملة. وفي 23 تشرين الاول2003، تم الافتتاح وتقدمنا أنا والعقيد مايفيل نستعرض المتحف الذي بقي مهجوراً لفترة طويلة.
وفي كل غرفة، كان هناك شخص ما ليشرح لنا المعروضات، فهنا نرى سيفاً عربياً مثلاً أو إنجيلاً آشورياً او لوحة تركمانية أو سلّة كردية مصنوعة من الجلد. وفي الجناح الكردي، كانت هناك محاكاة لحفلة زفاف كردية أمتعت الحضور وشدّتهم اليها.
وفي الباحة، قمنا بإزاحة الستار عن تمثال وسطي، كان رائعاً ويمثل كل أثنيّات كركوك، كما يجسد الحِرَف والزراعة والمصنوعات التي تُعرف بها المدينة.
ثم توجهت مع العقيد مايفيل الى الطاولة الرئيسة كي أنضم الى المحافظ ونائبه ورئيس مجلس المحافظة. وجلس الينا أيضاً عدد من أعضاء مجلس المحافظة، أما الجنرال أوديرنو فقد وصل من تكريت خصيصاً ليشاركنا الحدث. وتم تقديم الطعام حيث كنّا قد كلّفنا فندق(القصر)كي يعدّ الطعام بما يتناسب مع أذواق أثنيّات كركوك الأربعة.
وخلال المأدبة، بدأت الموسيقى تعزف. كانت وصلة الحفل الاولى من تقديم فرقة كردية اندفعت الى المنصّة وقدمت أغاني تراثية رائعة، وكان الأوبريت يحاكي مرّة موسم الحصاد، ثم يحاكي الغزل بين الشبان والبنات، لقد بدا لوهلة إنهم لا يريدون مغادرة المنصّة بعد أن قدموا عروضهم، ثم رأيت سرمد يتسلل الى خلف المنصة ليكلّم أحدهم ويطلب منهم النزول من أجل العروض الأخرى.
الوصلة التالية كانت للفرقة الآشورية، كانوا يرتدون أزياء مبهرجة ومحلاة بالريش على القبّعات، كانوا يتحركون برقصة بدت أكثر رزانة من سابقتها الكردية. أمّا العرض التركماني فقد تضمن عزفاً على العود مع غناء لأغنية ظهر أن عدداً كبيراً من الحاضرين يرددونها مع المطرب.
وآخر العروض كان العرض العربي، الذي بدأ برجل أعمى جلس في آخر المنصّة للغناء، وأنهوا العرض بالدبكة العربية، وهي رقصة أحبها الجميع تتشابك فيها الأيدي وتتحرك فيها الأرجل الى الأمام والى الخلف بينما يدور الراقصون حول دائرة وهمية.
كان الجميع تبدو عليهم البهجة بلا حدود، وبعدها وقف عضو المجلس العربي السُّني، اسماعيل الحديدي ودعا كمال كركوكي، والتحق الاثنان براقصي الدبكة. وفي مفاجئة غير متوقعة نهض العقيد مايفيل والتحق بهم جميعاً.
المطرب كان يغني مرّة أغنية تركمانية ومرّة اغنية عربية، وفي أخرى يغني بالكردية. ثم نهض المحافظ الكردي (عبدالرحمن مصطفى) وأمسك بمكبر الصوت وقال: هذه هي حقيقة كركوك، حيث تعيش فيها جميع الأثنيات بمحبة ، والجميع يعرف لغة الجميع، وهي مثال للتعايش السلمي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

 ترجمة / المدى في الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع واحتياجات النازحين والمهجرين في العراق مقلقة وغير ثابتة عقب حالات العودة التي بدأت في العام 2018، فإن خطة برنامج الأغذية العالمي (FAO )...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram