منذ أكثر من عامين، والدعوات تلحّ على ضرورة التفريق بين "داعش"، بوصفها انبعاثاً رجعياً لكلّ تراث التكفير والتقتيل والإقصاء، وبين الأزمات الداخلية التي لا يخلو منها بلد من بلدان المنطقة والعالم.
وبينما انشغل العالم بفرضيات "فنطازية"، لا تخطر على بال الأسوياء، في معرض تفسيره لسقوط الموصل، في حزيران 2104، وقبلها سقوط الرقة والفلوجة، كنا نشير الى خارطة التفتيت والتقسيم التي تتحرك لرسمها هذه الجماعة الإرهابية. لكن الميديا الغربية والعربية، على حد سواء، كانتا تضخان آلاف المواد الخبرية التي تعزز من شرعية داعش، وتزيد من تلميع صورتها في العالمين العربي والإسلامي.
فطيلة العامين الماضيين، لعب الإعلام الغربي والعربي ومراكز الابحاث "الرصينة" وشركات العلاقات العامة، دوراً مدمّراً لجهة إطالة معاناة المنطقة وإغراقها ببحور من دماء الأبرياء في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن.
كلّنا يتذكّر حجم الجدل البيزنطي الذي انخرط فيه الخبراء والمحللون حول التسمية الواجب اعتمادها في الحديث عن مجموعة البغدادي. فبينما كان الاتجاه العقلاني يدعو الى الامتناع عن كلّ ما من شأنه تعزيز شرعية هذا المدّ الظلامي في منطقة تعاني من أزمات مستعصية، والانتباه لخطورة ذلك، كان فريق آخر يصرّ على تكرار وتسويق "الجهادية" و"الجهاديين"، و"السلفيين"، و "الدولة الإسلامية"، للحديث عن جماعة داعش.
وإذا كان للإعلام الغربي عذرٌ في الوقوع بفخّ التسميات الملتبسة لجهة تباين الرؤية لأزمات العالم العربي والإسلامي، إلا ان هذا الاتجاه ذهب بعيداً بتشدّده في اعتماد المعايير "المهنية" حدّ الدعوة للتفاوض مع "داعش" باعتبارها دولة متكاملة العناصر (شعب + أرض + موارد) تمثل أفقاً واقعياً لحل الازمة الطائفية في المنطقة. الغرب المتخم بجامعاته العريقة، ومراكز أبحاثه المتخصصة، وأمبراطورايته الإعلامية، عجز عن الخروج من رؤيته الاستشراقية لأزمات منطقتنا، وانجرف لتسويق "داعش" في إطار رؤية سطحية تقوم على ثنائية الصراع السني / الشيعي، متناسياً تاريخ المنطقة الحافل بالتنوع الإثني والطائفي، والتعايش والتسامح بين هذه المكونات.
لقد قدّمت ميديا الـ" Exclusive" خدمة مجانيّة لما تدعوه بـ"الدولة الإسلاميّة". فقد ساعدت على توسيع رقعة أنصار هذه الدولة المزعومة، في أوروبا وأميركا، حتى اخذت بعض مدنها العريقة بمنافسة الفلوجة والرقة وقندهار، من حيث احتضان الظاهرة الداعشية بين جالياتها الإسلامية والعربية.
بدوره الإعلام العربي، والخليجي تحديداً، تعكز على أدوات نظيره الغربي، وزاد عليه في ضخّ وفبركة المواد الخبريّة التي عزفت على وتر الانقسامات الطائفيّة، مستهدفة بشكل خاص وممنهج تفتيت النسيج المجتمعي في العراق وسوريا.
وتحت يافطة "المعايير المهنية"، أوغل الإعلام العربي وجيوش من الكتّاب والمعلّقين السياسيين، عبر فضائيات وصحف معروفة، في التحول، بشكل مقصود، الى ماكنة دعائية لداعش والقاعدة والنصرة، وكل جماعات التكفير والجهاد الإقليمية.
وبينما كانت بعض الاطراف تتحجّج بـ"المهنية" و "الموضوعية"، وأخرى تقلّل من أهمية الخلاف حول "المسمّيات"، لكنها تتساهل في وصم كل من تصدى لإيقاف المد الداعشي، سواء في ذلك الجيش العراقي او الحشود الشعبية والعشائرية او البيشمركة الكردية، بأوصاف الكفر، والارتداد، والعمالة. كانت هذه الاطراف تقوم بكل ذلك، في ذات الوقت الذي تصرّ على وصف هذه الجماعة الارهابية بأنها "الدولة الإسلامية".
الآن، ومع بشائر النصر في الموصل، الذي حوّل خريف العراق الى ربيع متجدد، يتساءل المرء هل كان الامر بحاجة لعامين كاملين لكي يعترف العالم ان القضية لم تك "دولة إسلامية"، ولا قضية صراع سني – شيعي، بقدر كونها مقاومة واعية لاحتلال لم يألفه العالم المعاصر. انه احتلال يقوم على تحالف (التكفير والبداوة) الذي حطّم بوابات النمرود، كما حطّم تماثيل بوذا في أفغانستان، ونسف الكنائس ومقامات الأنبياء والأولياء.
عامان مع داعش: هل كان هذا يستحقّ؟
[post-views]
نشر في: 19 أكتوبر, 2016: 06:18 م