(2-2)
قلتُ لفرويد: حدَّثتكَ بالأمس سيدي عن (أضغاث أحلام) في لسان العرب.
قال فرويد: هنا ثالث دلالات الحلم في لسانكم. فالحلم - الرؤيا يتنبأ، بينما الحلم - الشرّ والقبح قد يكون صورة ذهنية غريبة أثناء النوم، والإشارة هنا للكوابيس (أَضْغاثُ أَحْلامٍ).
قلت فرويد: نعم، وهو ما يفسّره لك معنى كلمة الضَّغْث الذي هو الْتِباسُ الشيء بعضه ببعض. الضِّغْثُ من الخَبرِ والأَمْر هو ما كان مُخْتَلِطاً لا حقيقة له، مِن ضَغَثَ الحديثَ إِذا خَلَطه. وأَضْغَاثُ أَحلام الرُّؤْيا هي التي لا يصحُّ تأْويلها لاختلاطها، والضِّغْثُ هو الحُلْم الذي لا تأْويل له، ولا خير فيه، والجمع أَضْغاثٌ. وفي التنزيل "قالوا أَضْغاثُ أَحْلام" أَي رؤْياكَ أَخلاطٌ، ليست برؤْيا بَيِّنةٍ، "وما نحن بتأْويل الأَحلام بعالمين" أَي ليس للرُّؤْيا المختلفة عندنا تأْويل، لأَنها لا يصحُّ تأْويلها. وقد أَضْغَثَ الرؤْيا. وأَتانا بضِغْثِ خَبرٍ، وأَضْغَاثٍ من الأَخْبارِ أَي ضُرُوبٍ منها؛ وكذلك أَضْغاثُ الرؤْيا هي اخْتِلاطها والتِباسُها. وأَضْغَاث الرؤْيا هي أَهاوِيلُها؛ وسميت أَضْغَاثَ أَحلامٍ، لأَنها مُخْتَلِطةٌ، فدَخَل بعضُها في بعض، وليست كالصحيحة، وهي ما لا تأْويل له؛ وأَضْغاثُ الأَحلام ما لا يَسْتَقِيمُ تأْويلهُ لدُخُول بعض ما رأَى في بعض، كأَضْغاثٍ من بُيوتٍ مختلفةٍ، يَخْتَلِطُ بعضها ببعض، فلم تتميز مَخارِجُها، ولم يَسْتَقِمْ تأْويلها.
قال فرويد: الأضغاث تدل على الطابع (اللاواعي) للأحلام، طابعها الغامض المختلط اختلاطاً الملتبس دون منطق ظاهر لا تأويل له. وقد تردّدتْ كلمة التباس في تفسير الأضغاث، وهي إشارة إلى اللاوعي دون شك عندي، والطابع الكابوسيّ لبعضه. لكن فلنكمل ما يقول اللسان تحت مادة حلم.
قلت لفرويد: يذكر اللسان أن الحُلُمُ، بالضم، ما يراه النائم. وتقول حَلَمْتُ بكذا وحَلَمْتُه أيضاً؛ قال (فَحَلَمْتُها وبنُو رُفَيْدَةَ دونها - لا يَبْعَدَنَّ خَيالُها المَحْلُومُ)، وهذا البيت للأخطل. ويقال قد حَلَم الرجلُ بالمرأَة إذا حَلَم في نومه أنه يباشرها، وهذا البيت شاهد عليه.
وذكر ابن خالوَيْه أن (أَحْلامُ نائمٍ) هي ثِيابٌ غِلاظٌ، ويقال "هذه أحلام نائم" للأماني الكاذبة. وزاد أن لأهل المدينة ثياباً غلاظاً مخططة تسمّى (أحلام نائم)، قال (تبدّلت بعد الخيزران جريدة - وبعد ثياب الخز أحلام نائمِ) يقول كبرت فاستبدلت بقدّ في لين الخيزران قدّاً في يبس الجريدة وبجلد في لين الخز جلداً في خشونة هذه الثياب. ثم أن الاحْتِلام هو الجِماع ونحوه في النوم، والاسم الحُلُم. وفي التنزيل العزيز "لم يبلغوا الحُلُمَ"؛ والفِعْل كالفِعْل. وفي الحديث أن النبيّ أمر مُعاذاً أن يأْخذ من كل حالِمٍ ديناراً يعني الجزية؛ أراد بالحالِمِ كلَّ من بَلَغَ الحُلُمَ وجرى عليه حُكْمُ الرجال، احتَلَمَ أو لم يَحْتَلِم.
قال فرويد: هنا أخيراً، الطابع الأيروتيكيّ للأحلام. يُعبّر عن ذلك بيت الأخطل، عبر الفعل حلم نفسه، أو فعل الاحتلام الصريح الذي هو القذف أثناء النوم، دون شعور، بسبب حلم جنسيّ. أما الثياب الغلاظ المخطّطة المُسمّاة (أحلام نائم)، فهي دليل ضمنيّ على الطابع الأيروتيكي - الرمزيّ، أو الرمزي فقط للأحلام. يتعلق الأمر عموماً بالثياب التي هي من العناصر الأيروتيكية أو المجازية السيميائية.
قلت لفرويد: علينا سيدي الانتباه كذلك إلى صيغة "المحلوم" النادرة اليوم، ومثلها "المبصور"، وكلاما يقعان في الحقل الدلالي نفسه. المحلوم مستبعدة الآن من مصطلحات العلم، النفسيّ والإكلينيكيّ، رغم أنها قد تكون مصطلحاً مُحْكَما، قادراً على التبليغ النظريّ الصرف حول موضوع محدد مُغْلق.
لسان العرب حسب سيغموند فرويد: الأحلام
نشر في: 21 أكتوبر, 2016: 09:01 م










