adnan.h@almadapaper.net
تحت ضغط أكبر حركة احتجاجية في تاريخ العراق، تقدّم رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى مجلس النواب في 11 آب (أغسطس) من العام الماضي بحزمة إصلاحات كان عنوانها الأبرز مكافحة الفساد الإداري والمالي وإلغاء نظام المحاصصة غير الدستوري، وفي الحال وافق عليها أعضاء المجلس الحاضرون بأجمعهم (298 عضواً)، من دون اعتراض أو تحفّظ أو حتى مناقشة من أي عضو.
أكثر من هذا وكما لو أن مجلس النواب قد وضع نفسه في موضع المزايدة مع الحكومة، طرحت رئاسة المجلس من جانبها حزمة مقابلة أو مكمّلة حظيت هي الأخرى بالإجماع من دون اعتراض أو تحفظ أو حتى مناقشة من أي عضو أيضاً. الآن يتبيّن لنا أن رئاسة مجلس النواب وسائر أعضاء المجلس لم يكونوا مؤمنين بالحزمة الحكومية ولا بحزمة رئاسة مجلسهم .. كانوا تحت تأثير الذعر من أن يثور الشعب عليهم فيقلب كراسيّهم ويعصف بامتيازاتهم المبالغ بها كثيراً.
بين ما تضمّنته حزمة رئاسة المجلس إقالة نواب تجاوزت غياباتهم من دون عذر مشروع أكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد، والنظر في أداء رؤساء اللجان النيابية واستبدال مَن لم يثبت كفاءته في إدارة اللجنة، ومحاسبة المقصّرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسبّبوا في تسليم الأرض والسلاح إلى جماعات إرهابية، وإنهاء ملفات التعيينات بالوكالة وتقديم المرشحين في المناصب العليا من رؤساء الهيئات ووكلاء الوزارات والمستشارين وفي المناصب العسكرية والأمنية الى مجلس النواب للتصويت عليها خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً واعتماد معايير الكفاءة والنزاهة بعيداً عن معايير الانتماءات الحزبية والطائفية، وتخيير أصحاب المناصب من ذوي الجنسية المزدوجة بين إسقاط الجنسية المكتسبة أو الإعفاء من المنصب خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً أيضاً، وتشريع قوانين بناء الدولة التي نصّ الدستور على وجوب تشريعها وقوانين المصالحة الوطنية، ومحاسبة وملاحقة الفاسدين وسرّاق المال العام ممن أثروا على حساب الشعب العراقي واسترداد ما بذممهم من أموال.
منذ خمسة عشر شهراً حدث هذا، ولم يحصل شيء من كل هذا الذي تعهّد به مجلس النواب على رغم تعيين مواعيد محددة، لكنّ المجلس الذي غفا طويلاً عن اإصلاحات التي في سبيلها نزل الشعب إلى الشوارع ويواصل احتجاجاته ومطالباته بها أسبوعياً، صحا على نحو مفاجئ كمن ذهبت سكرته أو فاق من تأثير المخدّر، ليشرّع قانوناً يمنع تناول المشروبات الكحولية والاتجار بها وتصنيعها، كما لو كان شاربو الخمر وليس الإرهابيين هم الذين يفجّرون أنفسهم ومفخخاتهم في المدارس والجوامع والكنائس والأسواق والمؤسسات الحكومية، وكما لو أنّ شاربي الخمرة وليس الفاسدين هم من نهب مئات مليارات الدولارات من خزينة الدولة، فالإرهابيون وسراق المال، كما مرتكبو المئات من الجرائم الخطيرة، يعفو عنهم مجلس النواب بموجب قانون العار (العفو) العام، فيما هو يُعاقب شاربي الخمرة المسالمين والشرفاء والنزيهين بمصادرة حريتهم وحقوقهم الشخصية !
ليس ثمة سهو أو خطأ في الأمر، فزعامات الأحزاب الإسلامية هي نفسها راعية الفساد وحامية الفاسدين في جهاز الدولة، وهي نفسها راعية الإرهاب وخلاياه النائمة .. وقانون منع الخمرة ليس سوى مما يلزمه الورع الزائف المتستّر على الفساد والإرهاب.