TOP

جريدة المدى > عام > الكساندر دوماس.. جرائم آل بورجيا

الكساندر دوماس.. جرائم آل بورجيا

نشر في: 25 أكتوبر, 2016: 12:01 ص

- القسم الثاني -عاد الابن الكبير المسمى قيصر بورجيا إلى روما، بعد ان اخضع لسلطته جميع الممتلكات البابوية، من حدود نابلي إلى فينيسيا ، ليبدأ مع والده البابا الكساندر بورجيا  بتحويل لقبه ومقاطعته من كونه دوقا إلى ملك عليها. وصل إلى روما في الوقت ا

- القسم الثاني -

عاد الابن الكبير المسمى قيصر بورجيا إلى روما، بعد ان اخضع لسلطته جميع الممتلكات البابوية، من حدود نابلي إلى فينيسيا ، ليبدأ مع والده البابا الكساندر بورجيا  بتحويل لقبه ومقاطعته من كونه دوقا إلى ملك عليها. وصل إلى روما في الوقت المناسب، ليشارك والده من اجل تنصيب خلفٍ لكاردينال جيوفاني ميكيل ، الذي توفي مؤخرا، بكأس خمر مسمومة قدمها اليه البابا نفسه.
وجد الابن والده في حالة تفكير عميق ،  فلقد قرر ان يحتفل بيوم القديس بطرس بتعيين تسعة كرادلة. وبهذا العمل الجماعي سيكسب فوائد جمة. اولا، سيترك من سينصبهم وظائفهم القديمة، وهذه بدورها سترجع للبابا للتصرف بها وفقاً لمشيئته ولذا سيبيعها مرة اخرى.  وثانيا ، سيشتري كل شخص منتخب منصبه الجديد باسعار عالية او منخفضة تبعاً لحالته المادية ، وستترك هذه المبالغ لهوى البابا وهي تتراوح ما بين عشرة إلى اربعين الف عملة ذهبية.  اخيرا، عندما سيصبح هؤلاء كرادلة، سيأخذ القانون منهم الحق في كتابة وصية، وبذا لا يبقى على البابا الا تسميمهم من اجل ان يرثهم، وسيكون موقفه، آنئذٍ ، كالقصاب الذي ما عليه عندما يحتاج إلى النقود سوى ان يذبح الخروف السمين في القطيع.
تمت الترقية كما خطط لها. الكرادلة التسعة هم : جييوفاني كاستيلر فالنتينو،  وفرنسيسكو رومولنو ، و نيكولاس فيسكو ....الخ. دفعوا ثمن الترقية لمناصبهم الجديدة وتركت وظائفهم القديمة للبيع مرة اخرى. بدا البابا باختيار من سيسمم اولا منهم . الرقم الذي قرّ عليه رأيه ثلاثة، واحد من القدماء هو كارينال كازنوفا واثنان من المنتخبين الجدد، جمع احدهما ثروة طائلة من وظائفه في مجلس الكاتب، واثناء عمله  كمدير للمالية العامة وسكرتير الرسائل البابوية.
عندما  اتفق البابا وولده قيصر على الخطة المقبلة. بعثا دعوة لحضور حفلة عشاء تقام في فيللا لا تبعد كثيرا عن الفاتيكان في يوم معين والذي صادف ان كان الثاني من شهر آب اغسطس. ارسل الاثنان خدمهما وساقي الخمر لهما لتنظيم ما يلزم. سلم قيصر بنفسه الى الساقي قنينتين من الخمر. بعد ان مزجت كمية من ذلك المسحوق الابيض الشبيه بالسكر بصورة كافية فيهما، المقدار الوافي المميت الذي سبق وان استعمله لاغراضه عدة مرات من قبل، وامر الساقي ان يحتفظ بهما ولا يوزعهما على الحضور إلا بعد أن يخبره بذلك، وفي حينها، ايضا، يجب ان يوزعهما على ضيوف معينين، سيشير عليه بهم آنذاك. وضع الساقي القنينتين على منضدة جانبية وحدهما، وحذر الخدم لئلا يمسوّهما، على اعتبار انهما محفوظتان للبابا نفسه..
عند المساء، غادر البابا الكساندر الفاتيكان سيرا على الأقدام، متكئا على ذراع ابنه قيصر، ماشيين باتجاه الفيللا يرافقهما كاردينال "كارفا". كان النهار شديد الحرارة، والصعود الى مكان الفيللا مرتفعا. عند وصولهما المكان وقف البابا في الطارمة ملتقطا انفاسه. في تلك اللحظة، واثناء ما كانت يدة على صدره، تذكر أنه نسي السلسلة المعتاد على لبسها حول عنقه وفيها علبة ذهبية صغيرة، داخلها ورقة دبقة كتعويذة، اعتاد على ارتدائها بعد ان اخبره احد المنجمين بانها ستحفظه من تأثير السم والحديد ما دام يرتديها. امر البابا كاردينال "كارفا " بالاسراع في الذهاب لجلب التعويذة من الفاتيكان،واصفا له بالضط المكان الذي تركها فيها..
التفت بعد ذلك إلى احد الخدم، وامره بجلب شيء يشربه، بسبب ما ناله من عطش شديد نتيجة السير، وطلب منه قيصر، ايضا، الذي كان في حالة عطش مشابهة، ان يجلب لهما قدحين. كان الساقي، في تلك اللحظة، وبمصادفة غريبة، عائدا الى الفاتيكان لجلب السمك الجيد، الذي قدم للبابا، ذلك النهار، وقد نسيه فلم يأت به للحفلة، وبذا اتجه الخادم الى مساعد الساقي قائلا له ان صاحب القداسة والدوق قيصر في حالة عطش قصوى، يريدان شيئا لاطفائه. تناول مساعد الساقي احدي القنينتين المركونتين على حدة، متذكرا انه سمع قول احدهما بانهما من اجل البابا، وملأ قدحين منهما، اخذهما الخادم منه بعد ان وضعهما في صينية. شرب الاثنان النبيذ دون شك به، ودون ان يعرفا انه النبيذ نفسه الذي قاما باعداده من أجل تسميم الضيوف.
ذهب كاردينال "كارافا" ، في الوقت نفسه، الى الفاتيكان كما اراد منه البابا لاحضار السلسلة، وعلى اعتبار معرفته التامة بالمكان صعد الى مسكن البابا مع ضياء مصباح بيده، دون ان يرافقه احد من الخدم، واثناء استدارته بالممر أطفأت الريح شعلة المصباح، لكنه مع هذا استمر بالمسير، متصورا انه سيرى الشيء الذي يفتش عنه وبامكانه العثور عليه، دون حاجة للضوء، لدقة التعليمات التي اعطيت له. تراجع بمجرد ان دخل مسكن البابا، بصيحة رعب، فلقد ظهر انه رأى امام عينيه وفي وسط الغرفة، ما بين الباب والخزانة، التي توجد بها العلبة، البابا نفسه، مستلقيا دون حراك داخل تابوت مع اربعة قناديل بالجوانب مشتعلة. كانت رؤية مخيفة. وقف الكاردينال دقيقة مع عينين مبحلقتين وشعر مقشعر امام المشهد. لا يستطيع الحراك جيئة او ذهابا، الى ان اقنع نفسه، اخيرا، ان المنظر ليس سوى تخيل للحواس، او بفعل شبح جهنمي. عمل، بسرعة، اشارة الصليب، متضرعا باسم الاله المقدس، فآختفى كل شيء، فجأة، القناديل والاعمدة والجثة، واصبحت الغرفة مظلمة مرة اخرى. وبعد ذلك دخل كاردينال "كارافا" الغرفة بجرأة، وكان الوحيد الذي شهد هذه الواقعة اللامألوفة. سار للخزانة، والعرق البارد ما زال عالقا بجبهته، فوجد السلسلة الذهبية ذات العلبة الصغيرة المتعلقة بها في الدرج كما وصف البابا، اخذها مغادرا المكان ليعود الى الفيللا.
عند وصوله، شاهد الضيوف وقد اجتمعوا. العشاء جاهز والبابا على وشك ان يأخذ مكانه في صدر المنضدة. بمجرد ان ظهر كاردينال "كارفا" من بعد، اسرع البابا نحوه، وهو في حالة شحوب شديد، تقدم "كارافا" اليه ليسلمه السلسلة. ما أن مدّ يده ليأخذها منه حتى وقع للوراء مرتطما بالارض مع صيحة عذاب، اعقبتها تشنجات عنيفة. بعد دقائق معدودات واثناء ما كان ولده قيصر يهمّ مسرعا لمساعدته اصيب بالاعراض نفسها. كان السم يعمل في جسديهما بسرعة عظيمة، اكثر من المعتاد، فلقد وضع الابن قيصر كمية مضاعفة من السم  بالقنينة،  وساعدت العجلة في الشرب على زيادة فعاليته.
نقل الشخصان، الواحد جنب الآخر الى الفاتيكان، وهناك وضعا في فراشهما، كلاً على حدة في شقته. لم يرّ احدهما الآخر، منذ تلك اللحظة، بعد ذلك النهار ابدا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

تنويعات في الوضوح

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

مقالات ذات صلة

الحصيري في ثلاثة أزمنة
عام

الحصيري في ثلاثة أزمنة

زهير الجزائري معي في الصف حتى نهاية الدراسة الابتدائية صبي مميز في مكانه وهيأته واجتهاده. يجلس بوقار في منتصف الصف الأمامي. وهو الوحيد الذي بقي يرتدي دشداشة نظيفة مزررة حتى العنق. شفع له كونه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram