اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الحاضرة فـي العراق... مدن بلا مقاهٍ

الحاضرة فـي العراق... مدن بلا مقاهٍ

نشر في: 29 أكتوبر, 2016: 12:01 ص

 ربما يقول قائل ان المقاهي لاتمتلك في وجودها الحضري ضمن المدينة أهمية كأهمية المعالم الاخرى كالمدارس والاسواق وغيرها. غير أن المخطط الحضري يعلم أنه مامن جزء في المدينة الا وله وزنه الحضري وكينونته وضرورته. وكذلك الامر بالنسبة لمن يعيش المدينة وي

 ربما يقول قائل ان المقاهي لاتمتلك في وجودها الحضري ضمن المدينة أهمية كأهمية المعالم الاخرى كالمدارس والاسواق وغيرها. غير أن المخطط الحضري يعلم أنه مامن جزء في المدينة الا وله وزنه الحضري وكينونته وضرورته. وكذلك الامر بالنسبة لمن يعيش المدينة ويشعر بمشاكلها. يمكن استشعار هذا الامر في كتابات الكثير من الروائيين حين يتحول معلم بسيط من معالم المدينة كمطعم صغير او حانوت او مقهى الى بؤرة حيوية تدور حولها أحداث المدينة والحياة فيها.

 تشكل المقاهي جزءا ً لايستهان به من حجم المدينة الحضري، ودورها كفعالية حضرية عادة مايكون أكبر بكثير من حجمها. وتؤثر المقاهي على اقتصاديات المدينة بشكل واضح بل تحتل أحيانا ً حيزا ً مهما ً ومؤثرا ً فيها.
 تشكل سلسلة مقاهي Starbucks الاميركية والتي تأسست عام 1971 في سياتل وتنتشر الان في أكثر من سبعين دولة ومقاطعة ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد في هذه الدول وبالخصوص الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لقد حققت هذه الشركة ايرادات تجاوزت 19 بليون دولار اميركي لهذا العام 2016 ويعمل لديها أكثر من 190 الف موظف. في حين حققت ايرادات مقدارها 413 مليون باون في المملكة المتحدة لعام 2012 وكان لديها أكثر من 13 الف موظف هناك. "المعلومات مستقاة من موقع الشركة المذكورة ومن موقع اوكسفورد ايكونوميكس".
 هذه الأرقام الضخمة تشير بوضوح الى أن معلما ً حضريا ً كالمقاهي يمكن أن يكون مؤثرا ً في اقتصاد المدينة وفي تحريك عجلته وتخفيض نسبة البطالة بشكل واضح. لكن الامر لايقتصر على العامل الاقتصادي عند الحديث عن المدينة، بل  ربما عن أمور أخرى أشد أهمية لحياة قاطنيها ونوعية هذه الحياة. أمور تتعلق بالتأريخ وبالذاكرة وبالتعلق بالحياة المدينية وبفعالية المجتمع وبالعلاقات الاجتماعية وبحرية الفرد فيه.
 هناك عوامل كثيرة تمنح المقهى كينونته كمعلم حضري وكجزء حيوي من المدينة أي تمنحه الوجود كمقهى حقيقي. غير أن هناك عاملين هما الأهم في هذا:
 يتلخص العامل الاول في أن يوفر المقهى لمرتاديه مكانا ً مريحا ً وبيئة خاصة يلجأ اليها المرء عندما تضيق به فضاءات المدينة الاخرى وتعجز عن تلبية حاجته في الاسترخاء والهدوء والابتعاد عن صخب المدينة وإيقاعها المتسارع بل وربما العزلة والابتعاد عن أجواء أخرى قد أنهكت ساكن المدينة هذه. وتختلف درجة الحاجة الى هذا العامل، فقد يقصد المرء المقهى ليقضي ساعات فيه وربما معظم يومه، وعادة ما يتحول هذا النوع من رواد المقاهي الى زبائن معروفين للمقهى ومن يديره. ارتبطت بعض مقاهي بغداد وغيرها بروادها المعروفين كارتباط مقى عارف آغا بالشاعر معروف الرصافي. أو قد يرتاد المرء المقهى لحاجة عابرة بغض النظر عن المدة التي يقضيها، كالمقاهي المجاورة للأضرحة والمزارات. وهناك نوع ثالث من المقاهي العابرة التي يرتادها المرء كمحطة استراحة قصيرة أثناء الحركة اليومية له وربما لايتوقف فيها بتاتا ً ويكتفي بالحصول على قدح قهوته ليغادرها دون المكوث فيها. ويكثر هذا النوع في مراكز المدن وخاصة في محاور الحركة والنقل العام، مثل  Espresso House والتي تملك أكثر من 220 مقهى في السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا.
 أما العامل الاخر فيتلخص في ما يتركه المقهى من آثار وبقايا في ذاكرة المرء ومايعلق منه فيها فتظل معه لتعود به الى ارتيادها مرة أخرى. تلك الذاكرة التي لاتقتصر على الفرد في النهاية وانما تتحول الى ذاكرة جمعية ...الى ذاكرة المجتمع. أن المقهى الذي لايترك ذكرى في نفس زائره لايستحق العودة. من زار مقهى النوفرة الى جانب الجامع الأموى في دمشق سيهوى الرجوع اليه لامحالة. ومن يرتاد مقاهي المدن القديمة في روما وباريس وفيينا سيدمنها.
 هناك الان الكثير من المقاهي التي تم افتتاحها في مدن العراق وبالذات بغداد – سأحجم عن ذكر الاسماء كي لايستحيل الامر الى دعايه لها – تملك العديد من مقومات المقاهي المقبولة كمقاهي الجادرية والعرصات والكرادتين وشارع 62 وشارع الرواد. لكنها مازالت فاقدة لهذين العاملين فهي تعجز عن إيجاد البيئة المطلوبة ولايعلق في الذاكرة الكثيرمنها. في حين يمتلك مقهى تقليدي كمقهى الشابندر في شارع المتنبي شيئا ً من العامل الثاني –البقاء في الذاكرة - ثم تساهم الخدمة فيه الى تدمير هذا العامل والحط منه.
 يشكل المقهى في المدينة أحيانا ً نقطة حيوية لايمكن التعويض عنها بأي فعالية أو مبنى آخر، وتصبح مطلبا ً ضروريا ً للاناس المتواجدين في جزء ما من المدينة، يتخذونها كنقطة استراحة أو نقطة تجديد لطاقاتهم بعد الاجهاد المتواصل الذي يتعرض له المرء وخصوصا في كبريات المدن، أو الى مكان للقاء عابر أو ملتقى ثقافي.  
مَن من سكان بغداد من ثمانينيات القرن الماضي وماقبلها لايذكر مقاهي مثل شط العرب والبرازيلي بين شارع الرشيد ونهر دجلة. تلك المقاهي التي كانت تحتضن بين جنباتها الكثير من رواد الفن والادب وقد ترك البعض منهم آثارا ً قيمة في هذه المقاهي. لقد كان المقهى البرازيلي ملتقى بعض رواد الفن والادب أمثال جواد سليم وفائق حسن وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي. بل أن هذا المقهى كان ملتقى وبيئة ملائمة للفئات المثقفة من الشعب ولطلبة الجامعات والاعداديات ومكانا ً مناسبا ً للمطالعة والتحضير للامتحانات لتميزه بالهدوء. كما تميز بتفضيله تقديم القهوة والنسكافيه على الشاي. ( نقلا ً عن فائز الحيدر في مقاله المقاهي البغدادية القديمة).
 تحتفظ بعض مدن العراق ببعض مقاهيها القديمة والتي اعتاد الناس على ارتيادها، بل أن بعضها تشكل محاور لقاءات واجتماعات مهمة لساكني تلك المدن. لكنها من الناحية التخطيطية – بما فيها السايكولوجية – تشكل نقاطا ً هزيلة لاتمتلك أدنى مقومات الفضاءات الحضرية المقبولة فضلا ً عن مقومات المقهى وخاصة العاملين المذكورين – المكان المريح والمستفز للذاكرة - . وتشغل بعضها مواقع في المدينة يصعب الاقتناع بها كمكان مناسب للمقهى، بل يصعب تصديقها لمن لم يتعرف عليها. تتضمن منطقة الميدان في بغداد بعض المقاهي الصغيرة جدا الى حد لايجد المرء فيها متسعا ً للجلوس، تصف ّ بعضها مصاطب مهترئة على أرصفة الشوارع لتسرق جزءا ً منه فإذا ما جلس روادها – عادة من كبار السن والمتقاعدين وربما بعض المدمنين – لايجد المارة متسعا ً على الرصيف ليضعوا أقدامهم وربما يتعثر البعض بها.
 وتقع أشهر مقاهي مدينة الديوانية – قهوة المسطر – في الجزرة الوسطية لشارعها في وضع مربك لحركة المرور حولها ولجميع المنطقة المحيطة بها مشكلة بؤرة تعج بالضوضاء وفوضى الحركة وبقعة يستحيل على العنصر النسائي اختراقها او المرور بها. ويلتقي في هذا المقهى أغلب وجوه المدينة ومثقفيها وأساتذة المدارس ومن جلبهم الحنين الى الوطن.
 كنت أجول نواحي بغداد أبحث عن مقهى أنفرد فيه بنفسي أو ربما بصديق لنحتسي فنجان قهوة نتبادل حوله أطراف الحديث، وربما كان ذلك ممكنا. لكنه في مدن أخرى يعتاش بعضها على السياحة كالنجف وكربلاء أو مدن أخرى كبابل وذي قار استحال البحث عن مقهى الى ... حلم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هند كامل

    أخلع لك القبعة يا سيدي .. أبدعـــت نورسي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram