يُعـد ديفيد ايتنبورو من أشهر مُعدِّي الأفلام الوثائقية التي تتناول عالم الحيوان والطبيعة في العالم ،فقد أنتج وقدّم خلال العُقود التسعة التي عاشها عشرات الوثائقيات المُختلفة، وكانت أبرزها هيَ سلسلة الحياة ذات الأجزاء التسعة، التي بدأها بُثلاثية من ثلا
يُعـد ديفيد ايتنبورو من أشهر مُعدِّي الأفلام الوثائقية التي تتناول عالم الحيوان والطبيعة في العالم ،فقد أنتج وقدّم خلال العُقود التسعة التي عاشها عشرات الوثائقيات المُختلفة، وكانت أبرزها هيَ سلسلة الحياة ذات الأجزاء التسعة، التي بدأها بُثلاثية من ثلاث بَرامج تتحدث بشكل عام عن خواص الحيوانات الأحيائية، ثم أصدر 6 أجزاء أخرى أكثر تخصصاً تتحدث عن مجموعات وبيئات مُحددة للحيوانات خصوصاً الفقاريات. صحيفة التلغراف نشرت تحقيقاً موسعاً عنه تضمن مقابلة معه اجراها كاتب الصحيفة جوي شوت:
عندما اقترب السير ديفيد اتنبورو من عامه التسعين اعتقد الجميع أنه سيقلل من ساعات عمله عدا شخص واحد هو اتنبورو نفسه، الذي لا يزال يقدِّم لنا وقائع عالم الطبيعة المتغيرة باستمرار. كما في الجزء الثاني من السلسلة الشهيرة كوكب الأرض ، وهوأحدث أعماله التي ستبدأ هيأة الإذاعة البريطانيةBBC)) ببثها في السادس من تشرين الثاني الحالي.
يقول كاتب المقال :عندما التقيته مؤخراً (ولد ايتنبورو في 8 أيار عام 1926) كان مفعماً بالحيوية والنشاط ، وعندما لاحظ وجود علبة الكيت كات (الشوكولاته المفضلة لديه ) على الطاولة في الغرفة التي خصصتها له هيأة الإذاعة البريطانية، فان وجهه أضاء بحماسة صبيانية.
وهتف فرحاً (آه،انه شيء رائع ) وبدأ بتناولها بسرعة جعلتني أجد نفسي مضطرا لمنحه علبتي. كان هدفي هو مناقشة أحدث مغامرات أتينبورو، الجزء الجديد من سلسلة أعماله كوكب الأرض.
لقد تغير الكثير خلال العقد الذي مرَّ منذ ان تم عرض أعظم فلم وثائقي عن الطبيعة من على شاشات التلفزيون
تغير الكثير باستثناء ما كان يبدو عليه صاحب الفلم نفسه. فحركاته لا تزال رشيقة وعيناه تتلألآن مثل قطعة من الجليد . وتتدفق عواطف جياشة من حنايا وجهه البريء.
ولكن ربما يكون للزمن تأثير عليه أقل بكثير من تأثيره على الآخرين ولكنه كان واعياً لمرور الوقت ومتلهفاً لإنجاز أعماله.
أدركت ان كل المقدمات التي اعددتها لحديثي معه قد طارت عندما جلست امامه وهو يحدقني بنظرته الفولاذية. "والآن... ماذا تريد أن تسألني؟" لم اكن أخطط لان أبدأ من النهاية، ولكنها كانت هي المكان الذي سيؤدي اليه حديثنا لا محالة. فقال لي وهو يعترف بأسى: ان الكثير ممن يبلغون عقدهم التاسع من العمر يعيشون على مقربة من الموت، فيحضرون الجنازات أكثر بكثير من حفلات الزفاف.وقد قال قبل بضعة أيام من لقائنا، 'ان أقرب صديق له منذ عقود "(وهو مايسترو فضّل عدم ذكر اسمه) قد وافته المنية عن عمر يناهز الثانية والتسعين.
كانا في بعض الأحيان يناقشان الطريقة التي يودّان ان يرحلا فيها عن هذا العالم ويتذكَّر أتينبورو ".
قال لي انه يريد ان يموت على خشبة المسرح، وان يقع وسط الجمهور بدلاً من ان يقع وسط العازفين ويتسبب في كسر آلة كمان مثلا ،كان هذا موقفه ، الذي يشبه موقفي. "وشدد انه لا يخاف الموت.
وبدلاً من ذلك،وعلى الرغم من كون ايتنبورو يختص بعلم الأحياء ، فانه يحاول ان ينظر بعقلانية الى الأمر. " افكر في موتي كل يوم" ، ليس بشكل مهووس ، ولكن بطريقة مَن يترقبه.
ويضيف" تدرك فجأة انك لم تعد تتذكر أسماء الأشخاص.
"و تعرف أنك تتباطأ في عملك، ولكن الأصدقاء والأقارب الذين بعمرك لا يتذكرون أي شيء، ولا يمكنهم السير ، فيا لهم من مساكين! لا أستطيع أن أصدق كم أنا محظوظ ". وعندما بث فلمه كوكب الارض لأول مرة في عام 2006، بدا انه تتويجٌ لعمله طوال حياته. استغرق العمل فيه خمس سنوات ، وكان الفيلم الوثائقي الاكثر تكلفة على الاطلاق الذي تنتجه هيأة الإذاعة البريطانية.وشاهد الحلقة الأولى منه تسعة ملايين مشاهد.
.ويتذكر كاتب المقال عندما كان طالبا كيف كان الجميع يتجمَّع في الحرم الجامعي لمشاهدة الفلم . وكيف اصبحت أقراصه الـ(دي في دي) الأعلى مبيعا بين مبيعات الافلام الوثائقية على مرِّ التاريخ في جميع أنحاء العالم. وعندما سأله كيف استطاع تحقيق مثل هذا النجاح؟ أجابه قائلا :إن التقدم التكنولوجي يمنحك فرصا أكثر بكثير من ذي قبل ثم هناك حقيقة أن عالم الطبيعة حدثت فيه تحولات بسرعة كبيرة بسبب تدخل الانسان – الذي سبّب أضراراً كبيرة له .
يقول أتينبورو :عندما بدأ بث سلسلة أعمالي، كنت اتلقى عشرات الرسائل يوميا. غالبية الرسائل كانت من الناس المفجوعين حديثا بموت احبائهم كانوا يقولون أن الأشياء الوحيدة التي يمكن أن تساعدهم على الصبر في لحظاتهم الصعبة هي مشاهدة برامج عالم الطبيعة.
ويضيف 'انها تقدم العزاء الذي لا يمكن وصفه بالكلمات، " في لحظات الحزن العميق، التي تغمرك. تدرك بأنك لست خالدا، وأنك لست إلها، أنت جزء من عالم الطبيعة وعليك قبول ذلك ".
هذا الأمر جعلني أتساءل: هل واجهته لحظات من الحزن العميق؟
في عام 1997 أُصيبت زوجته الحبيبة، جين، بنزيف في المخ بينما كان يصوِّر في نيوزيلندا. عاد أتينبورو الى المنزل فورا ووجدها لا زالت على قيد الحياة، ولكن في حالة غيبوبة.
ولقد مرَّ عامان منذ ان رحل شقيقه الأكبر، الممثل والمخرج ريتشارد أتينبورو، عن عمر ناهز الـ 90. وتوفي شقيقه الأصغر، جون، وهو رجل أعمال في عام 2012. والسير ديفيد أيضا يلجأ الى عالم الطبيعة كي يعينه إلى حدٍ ما في الخروج من عالمه المأساوي.
" يمتاز ايتنبورو بحبه العميق للموسيقى الكلاسيكية، ولا سيما اعمال شوبرت وباخ. وعن وفاة زوجته يقول"مع مرور الوقت تبدأ بتقبل الامر أكثر من ذي قبل. "بعد انحسار التأثيرات الولى للفاجعة يمكنك استعادة توازنك إلى حد ما. وما ساعدني على ذلك هو وقوف الكثير من افراد الأسرة الى جانبي'.
أنجب الزوجان ابنة، تُدعى سوزان، وابن يُدعى، روبرت، وهو محاضر في انثروبولوجيا الأحياء ولديه طفلان. اما سوزان فهي تدير حسابات أتينبورو . ويقول عنها "كانت مديرة مدرسة ابتدائية ولكن عندما توفيت زوجتي أُصيبت باحباط من العمل، "عشت في حالة من الفوضى في غياب زوجتي. فجاءت وساعدتني وأصبحت تعمل في نهاية المطاف مديرة في شركتي الصغيرة.
"ومع انها تملك منزلا ولكنها في الوقت الراهن تقضي معظم وقتها معي." وعلى الرغم من الصدمة القاسية التي شكلتها وفاة زوجته، فان أتينبورو يعترف انه يأمل في ان تكون نهايته مشابهة لها.
" حين يموت شخص ما في الليل فإن ذلك أمرا مزعجا لمن يقوم برعايته وانا اعرف ذلك جيدا ، ولكن هذه هي أفضل وسيلة للرحيل. تذهب إلى النوم ولا تستيقظ بعدها – قد يكون لديك بعض الوقت ولكنك ما دمت في التسعين من العمر فالموت سيأتيك عاجلا وليس آجلاً ".
وبالاضافه الى اخراجه سلسلة كوكب الأرض فقد قدم اتنبورو عدة افلام وثائقية عن عالم الطبيعة منها الحياة (2009)، الكوكب المتجمد (2011)، وأفريقيا (2013)، وقصة الحياة (2014)، وفي العام الماضي قدَّم فلم هانت والحاجز المرجاني العظيم. وهذا الأخير تم تصويره في أستراليا، وفيه يعود إلى واحدة من عجائب العالم الكبرى عندما زارها لأول مرة اثناء تقديمه لمسلسله حديقة الحيوان في البي بي سي في عام 1957.
عن: التلغراف