TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في زيارة آخر حصون أوروبا

في زيارة آخر حصون أوروبا

نشر في: 1 نوفمبر, 2016: 09:01 م

3-4
أنه لأمر غريب أيضاً، أن الشباب الأفارقة اللاجئين بدأوا بتغيير طريق هجرتهم إلى بحر إيجة، حتى الآن، كانوا يهربون من ليبيا أو الاسكندرية مصر إلى لامبيدوزا أو صقلية. لكن المهربين لهم طرقهم وقوانينهم، وتعريفاتهم أيضاً. أغلب الذين تحدثت معهم، وسألتهم، إذا كانوا أخبروا ذويهم، معارفهم وأصدقاءهم بعبث الهروب، بلاجدوي المغامرة والقدوم إلى أوروبا، بأن المهربين خدعوهم، وأنهم سيطردون، أجابوني، أن لا أحد يصدقهم هناك، الناس تظن أن وضعهم جيد، لذلك لا يريدون من الآخرين أن يأتوا، لهذا السبب، ما تزال القوارب تأتي محملة بالهاربين إلى جزيرة لسيبوس، أغلبها يبحر ليلاً وينتهي إلى الجزء الشمالي من الجزيرة، بين شاطئ إيفالو وشاطئ موليوس، شاطئان للسباحة للسواح في الحقيقة. خفر السواحل والجيش اليوناني يعرفون ذلك، لا يكتفون بإلقاء القبض على الهاربين بل ينظفون الشاطئ مباشرة، لا قارب مطاطيا ولا طوق نجاة، لا أثر للهاربين هنا، الشاطئ يجب أن يكون جميلاً، نظيفاً، على طول الجزيرة وعرضها، لكي لا يرى السواح ذلك، هذا ما تعلموه في الجزيرة. لكن السياح؟ من هم السياح؟
الأسطورة التي يروجها اليونانيون عن السياحة في جزيرة ليسبوس ليست صحيحة تماماً، نعم هناك بعض من السياح، أغلبهم سياح أتراك ويونانيون، وبعض تشارتير طائرات من البلدان الاسكندنافية، لكن تقليدياً لم تكن جزيرة ليسبوس جزيرة سياحية على مرّ تاريخ السياحة في اليونان. في السبعينات وحتى أواسط الثمانينات، عندما كانت اليونان قبلة سياح حقيبة الظهر وكيس النوم، القادمين من شمال أوروبا، كانت اسماء جزر مثل رودوس وسونتيرين وكوس وكاليمنوس وغيرها هي التي تجذب السياح. لا ذكر لليسبوس، ليسبوس لم تجذب السياح يوماً، أولاً لأن الجزيرة لم تعتمد على السياحة، بل على الصناعات الثقيلة، صناعة الجلود والصابون والزيوت النباتية، كما أنها تحوي على اثني عشر مليون شجرة زيتون، ثانياً أنها بعيدة عن أثينا، كيف يأتي لها السائح والطريق في الباخرة يستغرق 9 ساعات؟ وحتى اليوم، باستثناء شهر آب، حيث أغلب زوارها من السياح الأتراك، ليست هناك أكثر من ثلاثة بواخر صغيرة تتنقل يومياً عند أقرب نقطة بحرية تربط بين جزيرة ليسبوس/اليونان وبين السواحل التركية عند مدينة آيفاليك. ثم أن الجزيرة لا تملك كل تلك البنى التحتية التي تحتاجها السياحة، من فنادق ومنتجعات، لذا يبدو الحديث عن السياحة وتضررها بسبب اللاجئين هو من باب الدعاية للنفس، لكي تحصل الجزيرة على تسهيلات خاصة وأموال من الحكومة اليونانية وأوروبا. المصانع هي خرائب اليوم، أما ضريبة القيمة الفائضة على البضاعة فقد ارتفعت منذ الأول من تموز الماضي إلى 24%، لكي لا نتحدث عن الضرائب الأخرى التي تدفعها الجزيرة على البضائع التي تُشحن من أثينا.
تلك هي حال ليسبوس. لكن ماذا عن إيدوميني، المعسكر الذي تصدر اسمه وكالات الأنباء لشهور طويلة؟ من يزور المكان سيندهش لنظافته الآن، لا أثر للخيم التي نصبها اللاجئون بشكل عشوائي، لا أثر لبيوت الصفيح أو الخشب التي بنتها المنظمات غير الحكومية ومنظمات الأمم المتحدة، سكة الحديد التي تربط اليونان ومقدونيا نظيفة، القطار يتحرك عليها في الاتجاهين بحرية، والمزارع، صاحب الأرض التي نشأ عليها المخيم، يقود تراكتوره بحرية في الحقل الواسع، فقط الجدار العازل، الأسلاك الشائكة التي تفصل الحدود بين اليونان ومقدونيا ما تزال هناك، يحرسها شرطة حدود، وما هو جديد، هو ما يواجه الزائر الذي ما أن يذهب إلى شباك شراء التذاكر لشراء تذكرة للباص الذاهب إلى بوليكاسترو، بدون جواز سفر أو بطاقة شخصية، لا يستطيع شراء تذكرة!
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

 علي حسين ما أن خرج الفريق عبد الوهاب الساعدي ليتحدث إلى احدى القنوات الفضائية ، حتى اطلق بعض " المحلللين " مدفعيته تجاه الرجل ، لصناعة صورة شيطانية له ، الأمر الذي دفع...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

مثلث المشرق: سوريا ومستقبل الأقليات بين لبنان والعراق

سعد سلوم على مدار عقود، انتقلنا من توصيف إلى آخر: من "البلقنة" في سياق الصراعات البلقانية، إلى "لبننة" العراق بعد التغيير السياسي في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، وصولًا إلى الحديث اليوم عن "عرقنة"...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram