3-4
أنه لأمر غريب أيضاً، أن الشباب الأفارقة اللاجئين بدأوا بتغيير طريق هجرتهم إلى بحر إيجة، حتى الآن، كانوا يهربون من ليبيا أو الاسكندرية مصر إلى لامبيدوزا أو صقلية. لكن المهربين لهم طرقهم وقوانينهم، وتعريفاتهم أيضاً. أغلب الذين تحدثت معهم، وسألتهم، إذا كانوا أخبروا ذويهم، معارفهم وأصدقاءهم بعبث الهروب، بلاجدوي المغامرة والقدوم إلى أوروبا، بأن المهربين خدعوهم، وأنهم سيطردون، أجابوني، أن لا أحد يصدقهم هناك، الناس تظن أن وضعهم جيد، لذلك لا يريدون من الآخرين أن يأتوا، لهذا السبب، ما تزال القوارب تأتي محملة بالهاربين إلى جزيرة لسيبوس، أغلبها يبحر ليلاً وينتهي إلى الجزء الشمالي من الجزيرة، بين شاطئ إيفالو وشاطئ موليوس، شاطئان للسباحة للسواح في الحقيقة. خفر السواحل والجيش اليوناني يعرفون ذلك، لا يكتفون بإلقاء القبض على الهاربين بل ينظفون الشاطئ مباشرة، لا قارب مطاطيا ولا طوق نجاة، لا أثر للهاربين هنا، الشاطئ يجب أن يكون جميلاً، نظيفاً، على طول الجزيرة وعرضها، لكي لا يرى السواح ذلك، هذا ما تعلموه في الجزيرة. لكن السياح؟ من هم السياح؟
الأسطورة التي يروجها اليونانيون عن السياحة في جزيرة ليسبوس ليست صحيحة تماماً، نعم هناك بعض من السياح، أغلبهم سياح أتراك ويونانيون، وبعض تشارتير طائرات من البلدان الاسكندنافية، لكن تقليدياً لم تكن جزيرة ليسبوس جزيرة سياحية على مرّ تاريخ السياحة في اليونان. في السبعينات وحتى أواسط الثمانينات، عندما كانت اليونان قبلة سياح حقيبة الظهر وكيس النوم، القادمين من شمال أوروبا، كانت اسماء جزر مثل رودوس وسونتيرين وكوس وكاليمنوس وغيرها هي التي تجذب السياح. لا ذكر لليسبوس، ليسبوس لم تجذب السياح يوماً، أولاً لأن الجزيرة لم تعتمد على السياحة، بل على الصناعات الثقيلة، صناعة الجلود والصابون والزيوت النباتية، كما أنها تحوي على اثني عشر مليون شجرة زيتون، ثانياً أنها بعيدة عن أثينا، كيف يأتي لها السائح والطريق في الباخرة يستغرق 9 ساعات؟ وحتى اليوم، باستثناء شهر آب، حيث أغلب زوارها من السياح الأتراك، ليست هناك أكثر من ثلاثة بواخر صغيرة تتنقل يومياً عند أقرب نقطة بحرية تربط بين جزيرة ليسبوس/اليونان وبين السواحل التركية عند مدينة آيفاليك. ثم أن الجزيرة لا تملك كل تلك البنى التحتية التي تحتاجها السياحة، من فنادق ومنتجعات، لذا يبدو الحديث عن السياحة وتضررها بسبب اللاجئين هو من باب الدعاية للنفس، لكي تحصل الجزيرة على تسهيلات خاصة وأموال من الحكومة اليونانية وأوروبا. المصانع هي خرائب اليوم، أما ضريبة القيمة الفائضة على البضاعة فقد ارتفعت منذ الأول من تموز الماضي إلى 24%، لكي لا نتحدث عن الضرائب الأخرى التي تدفعها الجزيرة على البضائع التي تُشحن من أثينا.
تلك هي حال ليسبوس. لكن ماذا عن إيدوميني، المعسكر الذي تصدر اسمه وكالات الأنباء لشهور طويلة؟ من يزور المكان سيندهش لنظافته الآن، لا أثر للخيم التي نصبها اللاجئون بشكل عشوائي، لا أثر لبيوت الصفيح أو الخشب التي بنتها المنظمات غير الحكومية ومنظمات الأمم المتحدة، سكة الحديد التي تربط اليونان ومقدونيا نظيفة، القطار يتحرك عليها في الاتجاهين بحرية، والمزارع، صاحب الأرض التي نشأ عليها المخيم، يقود تراكتوره بحرية في الحقل الواسع، فقط الجدار العازل، الأسلاك الشائكة التي تفصل الحدود بين اليونان ومقدونيا ما تزال هناك، يحرسها شرطة حدود، وما هو جديد، هو ما يواجه الزائر الذي ما أن يذهب إلى شباك شراء التذاكر لشراء تذكرة للباص الذاهب إلى بوليكاسترو، بدون جواز سفر أو بطاقة شخصية، لا يستطيع شراء تذكرة!
يتبع
في زيارة آخر حصون أوروبا
[post-views]
نشر في: 1 نوفمبر, 2016: 09:01 م