بين ما نسمعه من تصريحات مسربة، من داخل الادارة الأمريكية، بشأن ما سمي بالربيع العربي، وبين ما تحقق من كوارث في العراق والمنطقة، ندرك أن الربيع هذا كان كارثة حقيقية، وحال العراق والدول التي أصابها (الربيع) بوابله، يكشف عن حجم التدمير الذي حصل، ويفصح عن خطة التدمير الكامنة وراء ذلك كله. ومع يقيننا بان المخطط الأمريكي كان أكبر من عقل الحلفاء(الأحزاب الدينية) إلا أننا (الشعوب) كنا سنقف عند رقم معين من الخراب، لو كان إنساننا غير هذا !!!
وإذا كانت معادلة المتنبي: (وَإِنَّما الناسُ بِالمُلوكِ وَما تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عَجَمُ) -في ارتكان واضح لأهمية الملوك في البناء- لم تنتج لنا دولة بالشكل الصحيح، إذن، وبضوء معطيات الديمقراطية اليوم، يمكننا قلب المعادلة ليكون الناسُ هم المعول عليهم في بناء الدولة، وواضح أن الثورات التي صنعتها الشعوب الحية تمكنت من إعطائنا الأنموذج الأمثل، والشكل الافضل للدولة، لكن ما حدث في العراق والمنطقة مختلف تماماً. أنقول إن بناء إنساننا لم يكمل بعد، لكي نتحدث عن بناء الدولة الكاملة والصحيحة، ربما، يكون القول هذا صحيحاً.
لا نريد أن نذهب بالصورة الى العام 2003 والطريقة السلبية التي قدمتها شاشات العالم للإنسان العراقي الخارج من غياهب الدكتاتورية، ولن نعرّج بالتفصيل عن سرقة الممتلكات الحكومية، لكننا سنذهب الى ما هو أعمق من ذلك، سنقول بأن العقلاء من خطباء وأئمة المساجد نادوا وباعلى أصواتهم، مطالبين الناس بإعادة ما سرقوه، مشددين على حرمة ذلك، لكن أحداً لم يستجب. هل نقول بأن اللص القديم، الغازي الجائع، الذي تناسل في الاصلاب، منذ الجاهلية، ما زال قائما في النفس العربية والعراقية على وجه الخصوص الى اليوم. أحاول أن أكذب ذلك، معذرة، لكنني لا أجد منهجاً.
بعد دخول داعش الموصل، سمعت امرأة مسيحية تقول، مستغربة: بان من دخل بيوتنا لم ياتوا من الخارج، لم يكونوا دواعش، هم جيراننا، الذين كنا نتبادل معهم الصباح والمساء والأطعمة، ياترى، كيف تحول هذا الجار الى لص وقاتل في لحظة خاطفة؟ سنعلم ذلك حين نعيد صورة اللص الذي خرج من بيته لأول مرة وسرق المدرسة والمؤسسة الحكومية في العام 2003، وسنعلم الطبيعة السلبية –القتل- المتأصلة في بعض انساننا، سنعلم ذلك حين يدخل رجل ببندقية مسجداً، في ساعة أولى من الفجر، ليقتل الامام في محرابه، هذا الذي ما زال ذكر الله رطبا في لسانه وقد تجاوز الرجل الثمانين، وسترينا الصورة ذاتها حين يقوم مقاول نافذ بإدخال أسطول من الشاحنات، ليسرق معدات مطار عسكري بالكامل، هم يفعلون ذلك لأن الدولة بكاملها تعمل بوصية اللص الأول، الغازي الجاهلي، هي روحه التي تتحكم. أنقول شيئا في وزير التجارة، لقد سرق قوت شعب جائع.
أقول لجاري الذي يقاسمني النهر الذي بيننا: لا تلق نفايات بيتك في النهر، فيرد علي: هو ليس نهرك، هو نهر الدولة، وانا آخذ حصتي فيه، أرمي النفايات او أحجب الماء، انا حرٌّ في ذلك. هي خلق الصحراء التي جاء منها، وهو محق فالصحراء مطلقة، وهي له، مثل الديمقراطية التي قبل بوصفتها قادة الاحزاب الدينية، وسوّقت لنا على انها الربيع. أحدّثه عن المشتركات التي بيننا، فينأى الى ما يعرّفه لنفسه، دون سواه، أسترجع مع نفسي منبته في الرمل، هناك على الحدود مع المملكة، وأتقصى صورته التي كان عليها قبل دخوله أبي الخصيب، فأتيقن من حجم اللص الذي فيه،صورة الغازي الذي جاب الصحراء، أصمت ساعة، اصغي للقاتل الذي قدم منه، فأشم رائحة الدم في كفه التي صافحني بها.
لصوص وقتلة
[post-views]
نشر في: 1 نوفمبر, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 3
kadhim mostafa
عرب العراق وعرب سوريا ومصر وصلوا من صحراء الجزيره والاستعمار البريطاني لم يكمل استعماره ببناء الانسان لدينا بل تركنا على ما كنا عليه من من خلق الصحراء من عزو للجيران وسبي نسائهم والفارق بيننا وبين عرب الامارات وعمان فارق كبير فبريطانيه هي التي بنت الانس
ناظر لطيف
الكراهية والطائفيةوالعنصرية والعرقية هي ما اوصل بلدنا الى الخراب وهذا المقال يحرض على العرب كجنس وهو تمييز عرقي لا يمكن ان ينتشر الا عند انهيار الدول او بداية انهيارها.
محمد سعيد
افكار تحتاج الي التمعن والادراك والنظرة الثاقبة ,ولربما نحتاج الي علماء اجتماع لتشخيص ما انتاب هذا الشعب من امراض, حيث ما يحدث حاليا تحت حكم وسلطه احزاب دينيه واثنيه بعيدا عن المنطق والعقل السليم . لماذا تحول الفرد العراقي الي انسان لا يعرف