TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لصوص وقتلة

لصوص وقتلة

نشر في: 1 نوفمبر, 2016: 09:01 م

  بين ما نسمعه من تصريحات مسربة، من داخل الادارة الأمريكية، بشأن ما سمي  بالربيع العربي، وبين ما تحقق من كوارث في العراق والمنطقة، ندرك أن الربيع هذا كان كارثة حقيقية، وحال العراق والدول التي أصابها (الربيع) بوابله، يكشف عن حجم التدمير الذي حصل، ويفصح عن خطة التدمير الكامنة وراء ذلك كله. ومع يقيننا بان المخطط الأمريكي كان أكبر من عقل الحلفاء(الأحزاب الدينية) إلا أننا (الشعوب) كنا سنقف عند رقم معين من الخراب، لو كان إنساننا غير هذا !!!
  وإذا كانت معادلة المتنبي: (وَإِنَّما الناسُ بِالمُلوكِ وَما تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عَجَمُ) -في ارتكان واضح لأهمية الملوك في البناء- لم تنتج لنا دولة بالشكل الصحيح، إذن، وبضوء معطيات الديمقراطية اليوم، يمكننا قلب المعادلة ليكون الناسُ هم المعول عليهم في بناء الدولة، وواضح أن الثورات التي صنعتها الشعوب الحية تمكنت من إعطائنا الأنموذج الأمثل، والشكل الافضل للدولة، لكن ما حدث في العراق والمنطقة مختلف تماماً. أنقول إن بناء إنساننا لم يكمل بعد، لكي نتحدث عن بناء الدولة الكاملة والصحيحة، ربما، يكون القول هذا صحيحاً.
  لا نريد أن نذهب بالصورة الى العام 2003 والطريقة السلبية التي قدمتها شاشات العالم للإنسان العراقي الخارج من غياهب الدكتاتورية، ولن نعرّج بالتفصيل عن سرقة الممتلكات الحكومية، لكننا سنذهب الى ما هو أعمق من ذلك، سنقول بأن العقلاء من خطباء وأئمة المساجد نادوا وباعلى أصواتهم، مطالبين الناس بإعادة ما سرقوه، مشددين على حرمة ذلك، لكن أحداً لم يستجب. هل نقول بأن اللص القديم، الغازي الجائع، الذي تناسل في الاصلاب، منذ الجاهلية، ما زال قائما في النفس العربية والعراقية على وجه الخصوص الى اليوم. أحاول أن أكذب ذلك، معذرة، لكنني لا أجد منهجاً.
  بعد دخول داعش الموصل، سمعت امرأة مسيحية تقول، مستغربة: بان من دخل بيوتنا لم ياتوا من الخارج، لم يكونوا دواعش، هم جيراننا، الذين كنا نتبادل معهم الصباح والمساء والأطعمة، ياترى، كيف تحول هذا الجار الى لص وقاتل في لحظة خاطفة؟ سنعلم ذلك حين نعيد صورة اللص الذي خرج من بيته لأول مرة وسرق المدرسة والمؤسسة الحكومية في العام 2003، وسنعلم الطبيعة السلبية –القتل- المتأصلة في بعض انساننا، سنعلم ذلك حين يدخل رجل ببندقية مسجداً، في ساعة أولى من الفجر، ليقتل الامام في محرابه، هذا الذي ما زال ذكر الله رطبا في لسانه وقد تجاوز الرجل الثمانين، وسترينا الصورة ذاتها حين يقوم مقاول نافذ بإدخال أسطول من الشاحنات، ليسرق معدات مطار عسكري بالكامل، هم يفعلون ذلك لأن الدولة بكاملها تعمل بوصية اللص الأول، الغازي الجاهلي، هي روحه التي تتحكم. أنقول شيئا في وزير التجارة، لقد سرق قوت شعب جائع.
  أقول لجاري الذي يقاسمني النهر الذي بيننا: لا تلق نفايات بيتك في النهر، فيرد علي: هو ليس نهرك، هو نهر الدولة، وانا آخذ حصتي فيه، أرمي النفايات او أحجب الماء، انا حرٌّ في ذلك. هي خلق الصحراء التي جاء منها، وهو محق فالصحراء مطلقة، وهي له، مثل الديمقراطية التي قبل بوصفتها قادة الاحزاب الدينية، وسوّقت لنا على انها الربيع. أحدّثه عن المشتركات التي بيننا، فينأى الى ما يعرّفه لنفسه، دون سواه، أسترجع مع نفسي منبته في الرمل، هناك على الحدود مع المملكة، وأتقصى صورته التي كان عليها قبل دخوله أبي الخصيب، فأتيقن من حجم اللص الذي فيه،صورة الغازي الذي جاب الصحراء، أصمت ساعة، اصغي للقاتل الذي قدم منه، فأشم رائحة الدم في كفه التي صافحني بها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. kadhim mostafa

    عرب العراق وعرب سوريا ومصر وصلوا من صحراء الجزيره والاستعمار البريطاني لم يكمل استعماره ببناء الانسان لدينا بل تركنا على ما كنا عليه من من خلق الصحراء من عزو للجيران وسبي نسائهم والفارق بيننا وبين عرب الامارات وعمان فارق كبير فبريطانيه هي التي بنت الانس

  2. ناظر لطيف

    الكراهية والطائفيةوالعنصرية والعرقية هي ما اوصل بلدنا الى الخراب وهذا المقال يحرض على العرب كجنس وهو تمييز عرقي لا يمكن ان ينتشر الا عند انهيار الدول او بداية انهيارها.

  3. محمد سعيد

    افكار تحتاج الي التمعن والادراك والنظرة الثاقبة ,ولربما نحتاج الي علماء اجتماع لتشخيص ما انتاب هذا الشعب من امراض, حيث ما يحدث حاليا تحت حكم وسلطه احزاب دينيه واثنيه بعيدا عن المنطق والعقل السليم . لماذا تحول الفرد العراقي الي انسان لا يعرف

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram