قلتُ لفرويد: لسان العرب ليس كتاباً في علم النفس، بالطبع، لكنه يحمل في ثناياه ما يَسْمح بالتأويل، لو أحسنّا التأويل ولم نُسْقط فكرةً على فكرةٍ، وزمناً على زمنٍ.
قال فرويد: وهو مسعى جدير بكل ذي بصيرة.
قلتُ لفرويد: حسناً إذنْ. العقدة التي أطلقتَ سيدي عليها عقدة أوديب (Oedipus complex) تتلخص بتَعلُّق الذكر بوالدته والغيرة عليها من أبيه، لتصل بذلك إلى المشاعر الجنسية التي تبقي مكبوتة في العقل الباطن للطفل. بعبارة أخرى الرغبة اللاواعية بإقامة علاقة جنسية مع الأقارب من الجنس الآخر )سِفاح القربى) وبإزاحة الأقارب المنافسين من الجنس نفسه )قتل الأب الرمزيّ) . والعقدة هي الوجه الآخر لعقدة ألكترا.
قال فرويد: نعم، لكن العديد من قرائي العرب لا يعرفون على وجه الدقة أسطورة أوديب التي استندتُ إليها. وملخّصها أن العراف تنبأ لملك طيبة بأن ابنه سيقتله، وقد كانت زوجته )جوكاستا( حاملاً به. فلما ولدتْ أوديب أمر الملك بأن تُدقّ المسامير في أقدام الوليد، ويرمى على جبل. في الجبل، وجده بعض الرعاة، فنقلوه إلى ملك (كورنثيا) الذي تولى تربيته كالأمراء. لما كبر الطفل أراد أن يعرف ويعود إلى مسقط رأسه الأصليّ، غير أن العرّاف لم ينصحه بالعودة، لأن خطراً داهماً ينتظره هناك، فإنه سيقتل أباه ويتزوج أمه، قال له. لم يأبه أوديب للتحذير، وقرر مغادرة كورنثيا والذهاب إلى طيبة موطنه الأصلي، في الطريق صادف رجلاً ثم تشاجر معه فقتله، وقد كان الرجل أباه. في طيبة كان (السفينكس) ]حيوان له رأس امرأة وجسم أسد وجناحا طائر] يقسو على سكانها بأشدّ العذاب، حيث كانت الآلهة قد أرسلته ليطرح ألغازاً محيِّرة، ومن لم يكن يحلّها كان يُقتل، مما دفع (كريون) خليفة الملك )لايوس)، أبيه المقتول، أن يُعْلن بأن من يخلّص البلد من محنتها سيتولى العرش ويتزوج أرملة الملك )لايوس(، الملكة الجميلة )جوكاستا( أمه. دخل أوديب المدينة وأجاب على لغز (السفينكس (، فصار ملكاً على طيبة وتزوج الملكة دون أن يعرف بأنها والدته وأنجب منها طفلة واحدة،...الخ الحكاية.
قلتُ لفرويد: استندتَ إلى الحكاية لتفسير الهاجس المتواتر الذي لاحظتَه سيدي بين الرجال: الرغبة بالأم أو المَحارم بشكل عام. وهذا الهاجس حقيقيّ وحاضر في الثقافات جميعاً، كما تزعم.
قال فرويد: أزعم بالفعل، فهل هناك ما يدل على أن تعبيراً مثله قد جرى التصريح عنه في الثقافة العربية - الإسلامية؟
قلت لفرويد: أجل، وبصراحةٍ كبيرة. ففي محاضرات الراغب الأصفهاني نقرأ أن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين علي فقال: إني احتلمتُ على أمي، فقال: ليُقَمْ في الشمس وليُضرب ظلُّك الحدّ. انتهى. وفي رواية أخرى للحكاية أن علياً جاءه رجل يشكو إليه، يقول: إني احتلمتُ على أمي [أي إني رأيت أني أزني بها[ فقال : أقيموه بالشمس واضربوا ظله حدّ الزنا. انتهى. وتروى القصة من باب استحباب المزاح والتشديد على الإجابة المازحة الغرائبية ( أقيموه بالشمس واضربوا ظله حدّ الزنا) . لكنك تجد في كتب تفسير الأحلام العربية تأويلات مماثلة لأحلام شبيهة، كما أنك تقرأ يومياً نصائح فقهية وفتاوى لمن يَحْلم حلماً مماثلاً.
قال فرويد: كأنَّ هذه الإجابة كانت تستخفّ بحلم كهذا.
قلتُ لفرويد: كانت تمرّ عليه بالأحرى مازحة من دون إيجاد علة وتأويل وتفسير له. كان علينا انتظاركَ سيدي.
لسان العرب حسب سيغموند فرويد: عقدة أوديب
نشر في: 4 نوفمبر, 2016: 09:01 م










