TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "حادلات" التسوية التاريخية

"حادلات" التسوية التاريخية

نشر في: 4 نوفمبر, 2016: 09:01 م

 المتعاملون في بيع وشراء السيارات يتداولون مسميات ومصطلحات ابتكرها العقل التجاري لاغراض الترويج واستقطاب الزبائن. قبل عشرات السنين كانت "القجمة"  محبوبة لهمود تنقل المسافرين من بغداد الى البصرة بسفرة تستغرق قرابة العشر ساعات ، مع توقفات لتناول وجبات طعام ، واجراء اسعافات اولية لنساء واطفال للتخلص من الدوخة واصفرار الوجه جراء استنشاق رائحة البنزين ، "القجمة" وصلت الى العشار ، نزل ركابها بوجوه يعلوها الغبار ، وكأنهم خرجوا من عاصفة ترابية .
 داخل العاصمة بغداد، اشتهرت الدوج "ابو عليوي" بالعمل على خط الميدان الباب الشرقي عبر شارع الرشيد ، مع مرور الزمن دخلت الفولكا البعيرة بعد عقد اتفاقيات تجارية بين العراق والاتحاد السوفيتي لتعزيز التعاون المشترك لمواجهة الامبريالية ، والتوجه نحو النظام الاشتراكي، ثم دخلت  "اللادا صاحبها مشلوع افاده " . الشوفر ابو شوارب ، المارسيدس ابو جنح وسكانيا ابو زلوف ، الفولفو ابو ردين.. اسماء محلية لم تصل الى مسامع  الشركات المصنعة ،  على الرغم من انها تمتلك الحق في مقاضاة من كان سببا في تشويه او استخدام ماركتها التجارية ، والتهمة جاهزة : اطلاق  اسماء مونيكا وليلى علوي على سياراتها الشهيرة في العالم ، من حسن حظ  وزارة التجارة ان الشركات عدت تغيير  الاسماء جزءا من الترويج لبضاعتها في الاسواق المحلية .
بعد اكثر من عشر سنوات ادرك احد الأطراف المشاركة في الحكومات المتعاقبة اهمية الحاجة الى "تسوية تاريخية"  لتقويم اعوجاج العملية السياسية العرجاء طبقا لوصف نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي ، عشرات المشاريع طرحت في اطار تحقيق المصالحة باسماء كثيرة عشائرية مجتمعية وطنية مناطقية ، جميعها لم تتقدم خطوة واحدة في طريق  تحقيق اهدافها ، عشرات المشاريع باسماء متعددة تحاكي الدوج ابو عليوي ومحبوية لهمود القجمة ، وثيقة مكة في سنوات العنف الطائفي تخلى الموقعون عنها بعد دقائق من اقلاع الطائرة ، وثائق العهد والشرف وقعت امام الكاميرات  ، ثم  عاد المتخاصمون الى ممارسة هوياتهم المفضلة تبادل الاتهامات عبر شاشات الفضائيات.
مشروع التسوية التاريخية تناولته اوساط اعلامية وسياسية بالدعوة الى بلورة اتفاق لتعديل الدستور ونزع ألغامه ، وتشريع قوانين تنظم الحياة السياسية تفضي الى ارساء قواعد دولة المواطنة . الشارع العراقي يعاني "خيبة تاريخية" من اداء الطبقة السياسية الحالية ، ربما سيصل  الزعماء الى تفاهمات لتسوية خلافاتهم التاريخية ، لكن كيف يستطيعون اعادة تعزيز الثقة بملايين العراقيين ممن قدموا تضحيات من اجل  غد افضل ثم تبددت امنياتهم بطرح مشاريع وهمية.
قبل  تنفيذ المشروع يجب ان يتخلى متبنوه عن عقارات الدولة المغتصبة ، يفتحون الشوارع  في احياء سكنية تضم مكاتبهم الحزبية ومنازلهم ، والخطوة الأهم  احترام مبدأ الفصل بين السلطات ، تشجيع الأجهزة الرقابية والقضاء لتطبيق مبدأ "من اين لك هذا" ، تشريع قوانين تلغي الحاجة الى تحقيق  التوازن في توزيع  الوظائف بين المكونات الاجتماعية ، الكشف عن نتائج تحقيق اغتيال عشرات الشخصيات السياسية والثقافية ، بهذه الخطوات وغيرها يمكن تحقيق التسوية  بتوفير "حادلات" وطنية  لفتح الطريق امام الدوج ابو عليوي والقجمة محبوبة لهمود ، لتتجاوز مونيكا وليلى علوي . ولا تسرع يا بابا نحن بانتظارك على تسوية تاريخية .
اصحاب المشروع الجديد امامهم شوط كبير لإقناع الشارع العراقي بأهداف التسوية،  بخلاف ذلك سينتهي به المطاف كبقية المشاريع الاخرى "ريش على مفيش" على حد قول الأشقاء المصريين الكدعان  .     

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram