في البدء اود ان أتساءل هل استطاع التعليم الاهلي الجامعي أن يوفّر الفرص الدراسية الجامعية الاولية والعليا (النظرية والتطبيقية)، والاسهام في احداث تغييرات كمية ونوعية في الحركة العلمية والثقافية والتربوية؟. وهل شجع على القيام بالبحث العلمي وتطوير المنهج العلمي وتنمية الشعور بالانتماء الوطني وروح المسؤولية؟. كان من المفترض ان يقدم التعليم الجامعي الأهلي الفرص الأفضل والأوسع للتعليم والتطور العلمي، مثلما كان الأجدر به منح فرصة ثانية للطلبة، الذين لم يستطيعوا نيل معدلات تمكنهم من دخول الكليات التي يرغبون وبشروط ميسرة للجميع. كذلك اريد له ان يكون منافسا شريفا ونزيها لقطاع التعليم الجامعي الحكومي، الذي أثخنت جراحه التوجهات السياسية والدينية، منذ تسلط البعث على مقاليد السلطة الى يومنا هذا، خاصة السنين الخمس الاخيرة ومحاولة فرض توجهات حزبية معينة شكلت مع المال السياسي الملوّث، والسلطة غير المقيّدة، رأسمال لتأسيس عدة جامعات اغلبها خارج السياقات الإدارية والقانونية. كما سمحت لكل من هب ودب من السياسيين، وأصحاب الملايين الجدد ورجال الدين والسياسة، وحتى الاحزاب بتاسيس جامعات اهلية، تدرس شتى الاختصاصات. وربما يتطور الامر ويجري إدخال المناهج ذات الطابع الديني والفقهي ضمن مناهج الكليات العلمية، مثل الطب والهندسة. كما يحصل الان في بعض الجامعات الاهلية الاسلامية.
من الشروط المهمة الواردة في قانون التعليم الجامعي الاهلي، أن لاتقل مساحة الكلية عن (7500) سبعة الاف وخمسمئة متر مربع ولكل قسم علمي (2500) الفان وخمسمئة متر مربع. الا ان واقع الحال يقول غير ذلك. فاغلبها عبارة عن بيوت سكنية كبيرة، او عمارات متواضعة خالية من ابسط مستلزمات التعليم العالي، وبشكل خاص المختبرات العلمية، والقاعات الدراسية الواسعة التي تؤمن انسيابية الدراسة.
سمحت الوفرة المالية وتوزيع الهبات الحكومية في السنين الخمس الماضية، بتشجيع الكثيرين على الانخراط بالجامعات الأهلية، التي فرض البعض منها شروطا قاسية على من يريد العودة للتعليم الجامعي الحكومي. منها انهم يتوجب عليهم دفع القسط المالي للسنة الدراسية التي سيترك بها الطالب الدراسة في الجامعة الاهلية، بالتالي يبقى الطالب وعائلته امام خيارين احلاهما مر. وهذا ما حصل في الايام الماضية، حيث اضطرت نسبة كبيرة من طلبة الكليات الأهلية، ممن يرومون العودة للتعليم الجامعي الحكومي الاستدانة أو بيع ما يمكن بيعه لتوفير قيمة القسط السنوي والايفاء بالشرط الذي لم يعره الكثير منهم اهمية وقت التقديم.
في النهاية يجد المرء نفسه مضطرا للتساؤل عما يمكن ان يقوم به الطبيب او الصيدلي أو طبيب الأسنان وحتى المهندس وباقي الخريجين من الكليات الأهلية ذات الأقساط العالية الى الحد الذي يعجز عنه أغلب الناس، كيف سيتعامل هؤلاء الخريجون الذين دفعوا عشرات الملايين من أجل الشهادة التي تتيح لهم التصرف بتقديم الخدمات وتحديد اقيامها، أغلب الظن ان النتيجة هي تحوّل تلك المهن الى وسائل تجارية تافهة وفقدان قيمتها الراقية المتعارف عليها بين الناس حتى هذه اللحظة وإن كانت بدرجة أقل مما في السابق.
ملاحظة أخيرة، إن التطلع الى اقتصاد السوق لا يجب ان يعني الهبوط بكل القيم الإنسانية الى الحضيض كما يحصل الآن، ولو ان البعض يعتقد ان هذه هي طبيعة اقتصاد السوق، خاصة عندما يسود هذا الاقتصاد في بلد ريعي بامتياز مثل العراق حيث فقدان اية نسبة من المركزية وميوعة القوانين والقوى القائمة على حماية وتطبيق هذه القوانين.
الجامعات الاهلية تحولت الى اندية اجتماعية لأبناء للعوائل المترفة.
تعليمنا العالي الاهلي !
نشر في: 6 نوفمبر, 2016: 09:01 م