وداعا يوسف العاني ، ايها الفنان الفذ والرائد ، لكني لا اريد ان اقول وداعا لفرقة المسرح الفني الحديث ، من ينهض بك .. من يقول بصوت واضح : لا لقتلك ، اين منك مؤسسات الدولة ، من يعيد لهذا الصرح العظيم بهاءه وتألقه ، نحن لا نناشد المسؤول
وداعا يوسف العاني ، ايها الفنان الفذ والرائد ، لكني لا اريد ان اقول وداعا لفرقة المسرح الفني الحديث ، من ينهض بك .. من يقول بصوت واضح : لا لقتلك ، اين منك مؤسسات الدولة ، من يعيد لهذا الصرح العظيم بهاءه وتألقه ، نحن لا نناشد المسؤولين ، لقد بحت اصواتنا على اعتاب ابوابهم.
حال سقوط النظام السابق ، كثفت فرقة المسرح الفني الحديث نشاطاتها واتصالاتها برجال ومؤسسات النظام الجديد ، كانوا جميعا يسالون : كيف حالكم ، اين انتم ، كيف يمكن ان نساعدكم ؟ شرحنا لهم معاناة الفرقة ، والحال الذي وصلت اليه بناية مسرح بغداد ، وما تضرر منها ابتداءً من غرف الممثلين ومخازن الملابس والكواليس ، الى خشبة المسرح وصالة العرض والكراسي ، ومكان استراحة المشاهدين ، وغرفة الادارة البائسة ، مرورا باجهزة الصوت والانارة ، الى واجهة المسرح .. اي خراب في خراب !!
هناك من تضامن بالكلمات والوعود والمواساة والحنين ، وهناك من رسم لنا آمالا عريضة بعودة نشاط الفرقة الى سابق عهدها المضيء ، غير ان كل هذه الوعود والنيات ذهبت ادراج الرياح ، وللتاريخ لابد ان نقول ان الرجل الوحيد الذي مد يد المساعدة للفرقة هو الاعلامي فخري كريم الذي تبرع بمبلغ من المال ، ليبدأ العمل بشكل فعال من قبل جميع اعضاء الفرقة ، وبشكل يومي ، رواد وشباب ، بهمة عالية وفرح منقطع النظير ، وكان العمل مصحوبا بالاغاني العراقية الجميلة ، على عادة الفرقة حين كانت تستعد لعمل جديد ، حيث حضر الفنانون الكبار ، يوسف العاني ، سامي عبد الحميد ، فاضل خليل ، مقداد عبد الرضا ، يحملون ادوات العمل ، مما اعطى شباب الفرقة زخما كبيرا لانجاز العمل بالسرعة الممكنة .
بدانا العمل من غرف الممثلين وسقوفها المتهالكة ، التي طالما تسربت مياه الامطار اليها في موسم الشتاء ، في سبعينيات القرن الماضي حين زارنا الاخوان رحباني ، قالوا عندما شاهدوا المياه المتسربة ، كيف يمكنكم العمل في مثل هذه الظروف ، انتم فرقة عظيمة ، على اية حال العمل كان جاريا على خشبة المسرح ، وكان اكساؤها بالواح خشبية غاية في الحرفة والجمال ، ولا انسى صوت الفنان القدير فاضل خليل يشدو باغنياته الجميلة وقد استنفر معه اولاده للعمل طيلة النهار ، وحين بدات بوادر الانتهاء من ترميم المسرح ، اجتمعت الهيئة الادارية للفرقة وقد طرحت عدة افكار ، عن العمل الذي ننطلق منه ، وقد اكتملت فكرة اعادة احد الاعمال القديمة " النخلة والجيران ، القربان ، خيط البريسم ، الخان " لكننا واجهنا مشكلة كبيرة تتعلق بالاجهزة الفنية ، الصوت ، الانارة ، وكانت قديمة ومعطلة ولاتصلح للعمل اطلاقا ، وكلفتها عالية جدا ، لكن ارادة اعضاء الفرقة تجاوزت هذه المصاعب بمساعدة الكثير من الاصدقاء .
وحانت اللحظة الحاسمة لافتتاح مسرح بغداد وهذه المرة بحضور الفنان الكبير خليل شوقي الذي عاد من غربته ، غير ان الفرصة اجهضت ، فقد فوجئنا ذات يوم بجهة مجهولة تكسر ابواب المسرح ، وتهدم الواجهة ، كان الامر انذارا واضحا : كفى عليكم ان تغادروا ، وهكذا ضاعت الفرصة على تواضعها في اعادة الحياة لاهم وابرز صرح مسرحي عراقي ، شهد ولادة اعظم الاعمال المسرحية العراقية ، واعني به مسرح بغداد ، الذي وقفت على خشبته اجيال من الممثلين ، واغلق المسرح ليتحول الى مكب للنفايات ، ولم تنفع كل الجهود التي بذلناها ونحن نطرق باب الحكومة ووزارة الثقافة ، لاسسيما وان بغداد اختيرت عاصمة للثقافة العربية ، الا ان اموال الثقافة اهدرت على اعمال بسيطة لا تنتمي الى عراقة وعظمة المسرح العراقي .