نشرت صفحة (مسرح) في جريدة (المدى) الغراء عدداً من مقالات كتبها الباحث (احمد شرجي) تناول فيها سميولوجيا العرض المسرحي وسميولوجيا الممثل قدم فيها للقراء والمسرحيين العراقيين معلومات قيّمة عن اشتغال (العلامة) في العرض المسرحي . اعتمد مؤلف كتاب (الاخراج في مسرح ما بعد الحداثة) الذي ترجمته ونشر من قبل (مكتب المصادر) في بغداد ، على ذلك الاشتغال في جميع عناصر العرض المسرحي السمعية والمرئية وصولاً الى المتفرج كمتلقٍ للعلامات ومفسر أو مؤول لها. وأصبحت مقولة (العرض المسرحي شبكة علامات) من بديهات العمل المسرحي، فالنص المسرحي أولاً مليء بشفرات الدال والمدلول ويأتي المخرج والممثل والمصمم ليعمل على تشغيل تلك الشفرات التي تحملها الكلمات والجمل وكيفية القائها من قبل الممثل وكيفية معالجتها من قبل المخرج ويتبع ذلك تعبيرات وجوه الممثلين واجسادهم ودلالات الازياء التي يرتدونها بطرزها والوانها وكيفية ارتدائها واستخدامها ويشمل تشغيل الشفرات المنظر المسرحي بدلالاته وجمالياته وكذلك الملحقات المسرحية والاضاءة والمؤثرات البصرية ووظائفها ودلالاتها ويتم كل ذلك على وفق تصميم مسبق يعده المخرج بما يتناسب ورؤيته الاخراجية والرسالة التي يريد ايصالها الى المتلقي. اما ان تنفذ المسموعات والمرئيات في العرض المسرحي جزافاً وبثرثرة فارغة فهذا ما يبعده كونه فناً متميزاً. مثل هذا العبث والثرثرة يسري على العلاقة بين الصوت والصورة فان خلت تلك العلاقة من دلالة او من معنى فلا يكون ذلك الا هذرا .اصبح من البديهيات ايضا ان الاقتصاد في عناصر العرض المسرحي كالتمثيل والازياء والمناظر والاضاءة من أهم مظاهر الابداع لأن الثرثرة في اي منها والإسراف في استخدامها والتكرار الذي يزيد عن حده وعن مقصده يحوّل ذلك العمل المسرحي الى حذر وتخبط وربما جهل والتخمة قتالة . ومبدأ (ما قل ودل) هو الذي يجب ان يسود .ومن البديهيات ايضاً ان الممثل هو العنصر الأهم في العرض المسرحي وكل العناصر الأخرى التي يسمعها ويراها المتفرج انما هي عوامل مساعدة او مساندة للممثل والمخرج الناجح وهو ذلك الذي يبقي الممثل في موضع لتركيز انتباه المتفرج طوال العرض المسرحي وان لا يجعل من المؤثرات السمعية والبصرية المساعدة تطغى على اداء الممثل. ويبدو لي ان البعض من المخرجين المبتدئين قد جذبتهم التكنولوجيا الحديثة فراحوا يدخلون التقنية الرقمية في عروضهم الدرامية بلا اي مبرر احيانا بل لمجرد الادعاء بالتجديد باغراق الصورة المسرحية بالتقنية الرقمية والصور المنعكسة على الشاشات والمؤثرات السمعية والموسيقية. والبقع الضوئية ومتغيراتها السريعة ما يؤدي الى التأثير السلبي على اسماع وابصار المتفرجين ويبعد العرض المسرحي عن جمالياته المطلوبة .اذكر هذه الملاحظات بعد ان شاهدت عرضين مسرحيين قدمتهما مجموعتان من شباب المسرح المصري الاول بعنوان (عطر) استخدم الممثلون فيه لغة الصم والبكم وادت الثرثرة السمعية البصرية على اللغة الحركية باليدين تأثيراً سلبياً .والعرض الثاني كان بعنوان (الزومبي والخطايا العشر) الذي لا يختلف عن سابقه في كثرة استخدام التقنية الرقمية سمعياً وبصرياً ولم تستخدم لخدمة موضوعة العرض بل لمجرد التباهي بالتجديد. اضافة لسلبية العرضين المسرحيين المذكورين في استخدامهما للتقنية الرقمية فقد لاحظنا ان الممثلين كثيراً ما يوجهون خطابهم الى الجمهور مباشرة وليس الى من معهم على خشبة المسرح وقد لاحظنا ايضاً ان الممثلين كانوا يتحركون باستمرار بلا مبرر منطقي او فني وانما لمجرد الحركة بلا دافع مما أدى الى تشويش بصر المتفرجين واخيراً فقد لاحظنا أن مخرجي العملين لم يعتنيا بالايقاع الكلي اذ كان فالتاً تماما مما ادى الى اصابة المتفرجين بالملل من عدم تنويعه ومن التكرار الذي هو السائد وكان كل ذلك مثار استغراب ضيوف مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي مثلما أثار استغرابنا عدم اختيار عرض مسرحي عراقي يشارك في المهرجان.