قضى حياته خلف قضبان السجون، فقط لأنه مؤمن بفكر ما وتوجه ما، ورحل عنا وهو ما يزال مؤمناً بنهجه وفكره، ولم يترك من ذاكرته سوى اللون والفن اللذين يحملان بصمته، وبعضا من الكلمات، والاحداث التي تخص علاقته بالآخرين، والتي سيسردها البعض لنا، ولكنه أ

قضى حياته خلف قضبان السجون، فقط لأنه مؤمن بفكر ما وتوجه ما، ورحل عنا وهو ما يزال مؤمناً بنهجه وفكره، ولم يترك من ذاكرته سوى اللون والفن اللذين يحملان بصمته، وبعضا من الكلمات، والاحداث التي تخص علاقته بالآخرين، والتي سيسردها البعض لنا، ولكنه أيضاً ترك لنا رسالة مهمة وهي " المبدأ، ومكارم الخلق، والانسانية، والتمسك بالفكر والكلمة " .
الفنان التشكيلي عبد الجبار البناء، وبعد مرور 40 يوما على رحيله، يستذكره منتدى بيتنا الثقافي في مقر الحزب الشيوعي العراقي وبحضور واسع من قبل المثقفين والتشكيليين وقيادات الحزب الشيوعي، إضافة لحضور عائلة الراحل.
على مدى 6 عقود عمل البناء على تطوير طاقاته الفنية، بث روحه الانسانية وفكره الذي طالما تمسك به، هذا ما أكده الناقد التشكيلي جواد الزيدي، والذي اضاف قائلاً "عمل البناء على مجموعة اشتغالات، فبين اشتغالاته الفنية، وتبنيه المواقف السياسية التي نازعته حتى اخر يوم في حياته، وكان يصور نصوصا شعرية وفلسفية وحولها إلى نصوص فعلية على مدى تلك الاشتغالات."
وأشار الزيدي "أن البناء كان نبيل المقاصد وواضح الطريق، وقد تأثر بأستاذه حسين محمد الشبيبي الذي تتلمذ على يده منذ مرحلة الاعدادية ، وبعدها تأثر بجواد سليم والرفيق سلام عادل ."
منذ عام 1969، وحتى رحيله انجز البناء ما يقارب 19 معرضا تشكيليا وقد أقيمت اغلبها على قاعة المتحف الوطني العراقي، ويذكر الزيدي أن " البناء يعد من الجيل الثاني من رواد التشكيليين العراقيين."
وخلال كلمة خاصة باللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ألقاها السيد مفيد الجزائري قائلاً " كان يوم الجمعة التاسع والعشرين من ايلول الفائت حزيناً وكئيباً، حيث وهن القلب الكبير وذوى نوره، وبدت لحظات طويلة وخاطفة، وانطفأ الضياء الشيوعي الأمين برحيل البناء."
ويؤكد الجزائري " أن البناء سجن في بغداد وذلك لإيمانه بمبدئه ورفضه التنازل عن افكاره، وقد  استمر انضمامه للحزب الشيوعي حتى اللحظة الاخيرة من حياته وكان مخلصاً لهذا الحزب حتى فارقه الأجل."  مُشيراً أن "مع تكشف افكاره السياسية تكشفت افكاره الابداعية والفنية من خلال لوحاته التشكيلية."
وعن علاقته بجواد سليم، الذي كان بداية استاذ للبناء، ثم اصبح صديقه، يذكر الجزائري " أن سليم رصد واجتذب موهبة البناء، وقد مكنه من الفنون، وجعله يتتلمذ على يده ولهذا نجد أن البناء انتمى للجيل الثاني من الرواد." ذاكراً أن " البناء انصرف في حياته بين الابداع الفني والكفاح الفكري."
وخلال كلمة مجلس التضامن والسلم التي القاها السيد احمد ابراهيم قال " كانت المرأة رمزاً فنيا وفكريا وسياسياً لدى البناء، وقد جسدها خلال فنونه."
وأضاف ابراهيم قائلاً " كان البناء يعيد رسم افكار جواد سليم وخالد الرجال ولكنه ظل مؤمناً بها بعد أن اختار طريقه واسلوبه  الخاصة به وبتجربته وحياته، فكانت له مسيرة ممزوجة بالفن والانسانية تغرينا لمعرفة حياته الخاصة."
وعن مواقف البناء الخاصة بتمسكه بمبدئه قال ابراهيم " أن البناء اقام الكثير من المعارض والتي لم يقدم خلالها إلا الاعمال التي كان مؤمناً بها، حتى أذكر أنه في احدى المعارض التي زارها وزير الثقافة في زمن النظام السابق، سأله لماذا لم يقدم عملاً خاصاً يرمز لصدام حسين فأجابه البناء " انا لا استطيع تقديم الا ما يتجسد في عقلي " وهنا احرج البناء الوزير."