adnan.h@almadapaper.net
لا أظنّ انه قد حصل في تاريخ الدولة العراقية الحديثة أو في تاريخ أي دولة أخرى، أن يأتي مجلس النواب أو البرلمان، المنتخب أعضاؤه من الشعب لتمثيله في إدارة الدولة، بما يثير كراهية الشعب له، كما هي عليه حال مجلس النواب العراقي الحالي على وجه الخصوص.
مثالاً، هذا المجلس كان قد وعد، بل تعهّد( عقب انطلاق الحركة الاحتجاجية الشعبية قي تموز/ يوليو من العام الماضي)، بإصلاح النظام السياسي الذي ثبت للمرة الألف عدم جدواه، وأيضاً مناهضته لمصالح الشعب العراقي وطموحاته وإرادته، وذلك بإلغاء نظام المحاصصة الذي وُضِع بديلاً عما اختاره الشعب بموجب الدستور، وبتعديل الدستور، وبتشريع القوانين المتعلقة بكيان الدولة الديمقراطية، فضلاً عن التعهّد بتحسين الخدمات العامة والاقتصاد وسوى ذلك مما ورد في البرنامج الإصلاحي للحكومة الذي أقرّه المجلس بالإجماع وفي البرنامج المكمّل الذي قدمته رئاسة المجلس، فحتى اليوم ليس في وسع المجلس المفاخرة بإنجاز أي خطوة إصلاحية، بل انه كان المعرقل لبعض الخطوات الاصلاحية التي اعتزمت الحكومة البدء بها.
أول من أمس كان مجلس النواب أمام اختبار يتعلق بصدقية تمثيله للشعب والدفاع عن مصالحه وتأمين حقوقه، وقد سقط في هذا الاختبار مثلما سقط في اختبارات عديدة سابقة.
في نصف ساعة نظر هذا المجلس في الحسابات الختامية للموازنات العامة لأربعة أعوام متتالية هي 2008 و2009 و2010 و2011 وصادق عليها دفعة واحدة، برغم ما كُشِف عنه من وجود مفقودات مالية بما يزيد على 100 مليار دولار.
بموجب الدستور كان يتعيّن فحص الحسابات الختامية والمصادقة عليها عن كل عام على حدة عند نهاية العام مع تقديم موازنة العام الجديد. ذلك لم يحصل لأن الدولة العراقية في تلك الاعوام التي تميّزت باستقرار نسبي وبفورة في عائدات النفط تجاوزت في أحد الاعوام حاجز المئة مليار دولار، كانت مُختطفة من حكومة ضربت عرض الحائط بالدستور والقوانين تحت سمع وبصر مجلس النواب الذي انتهك حكم الدستور وحنث بيمينه الدستورية بتمريره الموازنات الجديدة من دون الحسابات الختامية للموازنات السابقة.
بدلاً من أن يتوقف أعضاء مجلس النواب، أول من أمس، ملياً أمام حسابات الاعوام الأربعة والمساءلة عن مصير 124 مليار ترليون دينار (106 مليارات دولار) لم تكشف الحسابات الختامية عن مصيرها، انصاعوا لطلب رئيس المجلس بـ "متابعة المخالفات الواردة في الحسابات الختامية في القضاء" (عيش يا كديش حتى ينبت الحشيش .... تحت قبة المجلس)! كما لو أن "ممثلي الشعب" غير معنيين بثروة الشعب وعمليات نهبها على أيدي أساطين الفساد الإداري والمالي.
تقارير ديوان الرقابة المالية أظهرت بوضوح ان حسابات الاعوام الأربعة تضمّنت "خروقاً ومخالفات مالية جسيمة"، لكنّ أعضاء المجلس تصرّفوا كما لو أنهم صمٌّ بكمٌ عميٌ لا يعمهون ولا يبصرون، فمرروا الحسابات في ظرف نصف ساعة، وخلدوا إلى الراحة..!