(1-2)
قلت لفرويد: ذكرتُ لك سيدي أن موضوعاتٌ متناثرة في "مجمع الأمثال" للميدانيّ (ت 1124م)، تمسّ العلم والتحليل النفسيّ الذي يعنيكَ، بعضها معروض بطريقة ليست عَرَضِيّة.
قال فرويد: ذكرتَ لي يا بُنيّ المثل العربيّ" أشْبَهُ بالنساء من الماء بالماء"، فماذا في جعبتك غيره؟
قلتُ لفرويد: المثل الذي يورده الميدانيّ" كلُّ فَتاةٍ بأبيها مُعْجَبَة".
قال فرويد: لقد صدمتني أيّما صدمة أن يكون غيري قد هَجَسَ هجْساً فكرة مثل فكرتي، وقبل أن أعبّر عن نفسي أودّ أن أسمع حكاية المثل.
قلت لفرويد: حسب الميدانيّ" ضُرَبُ المثل في عُجْب الرجل برهطه وعشيرته، وأولُ مَن قال ذلك العَجْفَاء بنت عَلْقَمة السعدى، وذلك أنّها وثَلاثَ نسوة من قومها خَرَجْنَ فاتَّعَدْنَ بروضة يتحدثن فيها، فوافَيْنَ بها ليلاً في قمرٍ زاهر، وليلة طَلْقَة ساكنة، وروضة مُعْشِبة خَصْبة، فلما جلسن قلن: ما رأينا كالليلة ليلة، و لا كهذه الروضة روضة، أطيب ريحاً ولا أنْضَر، ثم أفَضْنَ في الحديث؛ فقلن: أي النساء أفضل؟ قَالت إحداهن: الخَرُود الوَدُود الوَلُود، قَالت الأخرى: خَيْرُهن ذات الغناء وطيب الثناء، وشدة الحياء، قَالت الثالثة: خيرهن السَّمُوع الجَمُوع النَّفُوع، غير المنوع، قَالت الرابعة: خيرهن الجامعة لأهلها، الوادعة الرافعة، لا الواضعة؛ قلن: فأي الرجال أفضل؟ قالت إحداهن: خيرهم الحَظِىُّ الرّضِيُّ غير الحظال (الحظال هو المقتر المحاسب لأهله على ما ينفعه عليهم) ولا التبال، قَالت الثانية: خيرهم السيدُ الكريم، ذو الحسب العميم، والمجد القديم، قَالت الثالثة: خيرهم السخِيُّ الوفي الذي لا يُغِيرُ الحرة، ولا يتخذ الضرة، قَالت الرابعة: وأبيكن إنّ في أبي لنَعْتَكُنَّ كرم الأخلاق، والصدقَ عند التلاق، والفلج عند السباق، ويحمده أهل الرفاق، قَالت العَجْفَاء عند ذلك: كلُّ فتاة بأبيها مُعْجَبة. وفي بعض الروايات أن إحداهن قَالت: إن أبي يُكْرِمُ الجار، ويعظم النار، ويَنْحَر العِشَار، بعد الحوار، ويحل الأمور الكبار، فَقَالت الثانية: إن أبي عظيم الخَطرِ، منيع الوَزَر، عزيز النفر، يُحْمَدُ منه الوِرْدُ والصَّدَر، فَقَالت الثالثة: إن أبي صدوقَ اللسان، كثير الأعْوَان، يُرْوي السِّنَان، عند الطعان، قَالت الرابعة: إن أبي كريم النِّزال، منيف المقَال، كثير النَّوَال، قليل السؤال، كريم الفَعَال، ثم تنافَرْنَ إلى كاهنة معهن في الحي فقلن لها: اسمعي ما قلنا، واحكمي بيننا، واعدلي، ثم أَعَدْنَ عليها قولَهن، فقالت لهن: كل واحدة منكن ماردة، على الإحسان جاهدة، لصواحباتها حاسدة، ولكن اسْمَعنَ قولي: خيرُ النساء المبقية على بعلها، الصابرة على الضراء، مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلقة، فهي تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة، وخير الرجال الجَواد البَطَل، القليل الفشل، إذا سأله الرجل ألفاه قليل العلل، كثير النَّفَل، ثم قَالت: كل واحدةٍ منكن بأبيها مُعْجَبة". أنتهى.
قال فرويد: أعترفُ أن المثل يُعالج عقدة إلكترا Complexe d'Électre بأوضح ما يكون. والتسمية هذه أطلقها يونغ عام 1913، وليست لي. ومرجعيتها في الميثيولوجيا اليونانية، حيث طلبت إلكترا من أخيها الثأر لموت أبيها أغاممنون وقتل أمها كليتمنسترا التي ساهمت بقتل أبيها.
قلتُ لفرويد: لكن بُعْد الرغبة (désir) الأيروتيكية المُحرَّمة المطمورة في عقدة ألكترا يختفي في المثل العربيّ.
قال فرويد: لا يختفي قط، أَفَلَمْ تقرأ ما قالت البنت الثالثة عنه بانه" لا يُغِيرُ الحرة، ولا يتخذ الضرّة"؟ وقد استجلبت الحياة الجنسية بأوضح ما يكون، وعبّرتْ مداورَةً عن هذا المُحرّم المطمور.
قلت لفرويد: فاتني هذا، مثلما فات قرّاء فكرتك القائلة: "عند الفتيات، لا رغبة désir أقوى من حماية الأب"، الانتباه إلى مفردة الرغبة المحدّدة تلك.
يتبع
لسان العرب حسب سيغموند فرويد: عقدة إلكترا
نشر في: 11 نوفمبر, 2016: 09:01 م










