قبل 13 شهراً من الآن، خصصتُ هذا العمود للتطرّق الى مساوئ قانون (الحرس الوطني) سيّئ الصيت. وها هي الدواعي ذاتها تفرض اليوم التحذير من طبخة قانون (الحشد الشعبي) بشكلها المطروح حالياً.
فالقانون الأول الذي أخذ من عمر الحكومة والكتل سنة من الجدل والنقاش، تمت قراءته مرتين في البرلمان لكن الاعتراضات الكبيرة والواسعة أجهضت عرضه للتصويت منذ ذلك الوقت.
ويتذكر الكلّ أنّ من جملة الاسباب التي وقفت وراء طرح قانون (الحرس الوطني)، كان تشكيل مظلّة عسكرية "سنّية" لموازنة حضور الحشد الشعبي "الشيعي"، في مواجهة داعش، والسيطرة على المناطق المحرَّرة. أيضا كانت من جملة الاسباب غير المعلنة لتشكيل الحرس الوطني، هو منح بعض الزعامات السياسية ضمانات أمنية لفرض سطوتها مرة اخرى على المحافظات المحتلة بعد تحريرها.
كل ذلك جرى ضمن تفاهمات تشكيل حكومة العبادي أواخر 2014، إذ أدى الجدل السياسي حينها الى تضخّم بنود القانون من 8 فقط الى 22 بنداً بتفريعات مفصّلة.
اليوم تعاد الكرّة مرة أخرى بقانون للحشد يتضمن 4 بنود، يسعى الى (تنظيم الحشد الشعبي والقوات التابعة له وضمان حقوق منتسبيها وذويهم)، بحسب الأسباب الموجبة للقانون.
التشريع الجديد، وقد تمّت قراءته الثانية وأصبح جاهزاً للتصويت، يحمل في طياته ذات المحاذير التي أثارها قانون الحرس الوطني، لجهة إنشاء جيوش طائفية، ومناطقية، من شأنها ان تضعف المؤسسة العسكرية والامنية التي تعاني أصلا من ترهّل وفساد تسبّبا بسقوط المدن والمحافظات عام 2014.
إنّ انحسار الرؤية الوطنية، التي تم تشخصيها في قانون الحرس الوطني، هو ثغرة يعاني منها قانون الحشد الشعبي، يضاف الى ذلك افتقاره الى الرؤية العسكرية المهنية.
وإذا كان الحشد يمثل استجابة "عراقية وطنية" لظرف طارئ حتّم علينا اللجوء إليه لمواجهة المد الإرهابي، فإن ذلك لا يعني ابداً الإقرار بصحة استمراره كجيش رديف يحمل ذات الرؤية التي سوّقتها مسوّدة الحرس الوطني، ولكن باسم مختلف.
على أنّ معارضة قانون الحشد، لا تعني بالمرّة التنكّر للتضحيات الكبيرة التي قدّمها، والدور التاريخي الذي لعبته هذه القوات لحماية الدولة العراقية من الانهيار مرة ثانية. فهناك ألف طريقة وطريقة للوفاء لتضحيات آلاف الشباب الذي استشهدوا والذين اصيبوا في هذه الحرب العادلة. فإقرار هذا القانون بصيغته الحالية، تختلط فيه الدعاية الانتخابية المبكرة، والمزايدة الطائفية المنكرة التي نتبين نبرتهما في ثنايا أحاديث الساسة هذه الايام.
وللأسف فإن المسودة المتداولة، التي نشرتها (المدى) نهاية تشرين الاول الماضي، لا تلبّي حاجة أُسر الشهداء والجرحى، ولا تمنحهم حقوقاً واضحة، ولا تمنح المنتسبين ضمانات واضحة تليق بحقهم على الدولة، بل تركت كل هذه التفاصيل الى تقديرات "القائد العام" ليضع لمساته عليها لاحقا. وهذا تسييس ما بعده تسييس، وتلاعب بالدماء والتضحيات بأجلى صوره.
فلم تحدد مسودة القانون مهام هذه القوة وواجباتها وصلاحياتها، كما لا تتضمن توصيفاً دقيقاً لدائرة مسؤوليتها ولا تسليحها ولا عقيدتها، كما هو الحال بالنسبة للجيش ومكافحة الشرطة الاتحادية، وقوات الردّ السريع وغيرها من التشكيلات الأمنية والعسكرية.
كان الاولى تعزيز وضع الحشد، بوصفه قوة تمتلك خبرة واسعة في حرب الشوارع وقتال المدن، وتحويله الى قوات نخبة، كما هو الحال في جيوش العالم، يتم إلحاقها بالجيش، ومنحها مهامّ اتحادية حالها حال جهاز مكافحة الإرهاب. ويتم النص على إبعاد هذه القوات عن المحاصصة الإثنية والطائفية، واقتصاره على القوات التي تصدت لمقاتلة داعش طيلة الفترة الماضية، والتي تمثل كل الطيف العراقي.
وبعيداً عن الأغراض السياسية والحزبوية التي تقف وراء مؤيدي قانون الحشد، فهناك إمكانية كبيرة أن يشكّل طرح القانون خطوة جادّة لإطلاق عملية إصلاحات واسعة في أجهزة الأمن التي تأسس أغلبها على وفق أسس مشوّهة، تفتقر الى رؤية عراقية خالصة عن طبيعة التحديات التي تواجهنا.
على هامش قانون الحشد
[post-views]
نشر في: 14 نوفمبر, 2016: 06:26 م