قال فرويد: وجدنا صريحاً ما يدلّ على عقدة أوديب في التراث العربيّ الإسلاميّ، فهل نجد ما يدلّ على حديثهم عن "عقدة إلكترا" بصراحة أعظم من صراحة مثلهم السائد "كل فتاة بأبيها معجبة"؟
قلت لفرويد: ذكرنا، سيدي، الأصل الميثيولوجي لعقدة ألكترا وعلينا التذكير به، من أجل التأكد من تماثله مع ما قد يكون تَلمُّساً عربياً للمفهوم نفسه.قال فرويد: تعرف أن عقدة إلكترا مصطلح يشير إلى التعلق اللاوعي للفتاة بأبيها وغيرتها من أمها وكرهها لها، فالبنت ترى أمها عقبة تستحوذ على الأب - رمز الرجل عندها. أطلقَ التسمية بالأحرى، كما ألمحتُ لكَ، كارل يونغ عام 1913 ، وأضيفُ بأنني رفضتُها حينها، وكنت أستخدم تعبير )عقدة أوديب الأنثوية). هذا التعلق بالأب من طراز أيروتيكي لا واعٍ أيضاً. الميثيولوجيا اليونانية تسرد باختصار حكاية إلكترا التي تثأر لأبيها أغاممنون وتقتل أمها كليتيمنسترا.قلت لفرويد: الحكايات الكثيرة تتكلم في الإرث العربيّ - الإسلاميّ عن سفاح المحارم من وجهة نظر ذكورية حصراً، كأنّ ثقافتني تكرّس فنتازيا الأحلام الجنسية، السفاح وغير السفاح، للرجال وحدهم، وحتى هنا ترى أن أعراف الحلم الأيروتيكيّ تتخذ طابعاً ذكورياً بشكل أساسيّ، كأنه ممنوع عن الأناث، أو غير مسموح لهنّ بالحديث عنه علناُ، سفاحاً وغير سفاح.
قال فرويد: نعرف أن التسافح والسفاح والمسافحة تشير إلى الزنا والفجور. وهو من غير المباح قطعاً في الإسلام على حدّ علمي.
قلتُ لفرويد: من المفيد رؤية أصل المفردة. يقال سفح منيته أي دفقها بلا حرمة أباحت دفقها، موصول بسفحت الماء أي صببته. أما سفاح المحارم فقد تتنوعت الأحكام الفقهية فيه، وهو ليس شأننا. نحن نتحدث عن (أحلام سفاح المحارم)، الأحلام وحدها التي لم يكن للنساء الحق بالتصريح بها، إلا في أيامنا هذه. وهنا أتذكر فتاة جزائرية كتبت على وسائط التواصل الاجتماعي بأنها في السابعة عشر من عمرها وأن حلما يتكرر في منامها مفاده أنها مجبرة على الزواج من والدها، وأنها فرّت لعمتها تشكوى لها [وليس لوالدتها، وللعمّة هنا دلالة، وأيّ دلالة]، وأنها تستعمل المنبهات للفرار من النوم بسبب هذا الحلم الملحاح.قال فرويد: منع النساء الحديث عن أحلامهن ليس غريباً. فمن كان يسمح للمرأة أن تعبّر عن مجرد حلمها بسفاح المحارم، الاب؟ هذا شبه مستحيل التصريح به على لسان امرأة في ثقافة يلعب العرفيّ والدينيّ دوراً كبيرا فيها.
قلت لفرويد: في كتب تفسير الأحلام فقط، كالمنسوبة لابن سيرين والنابلسيّ، نجد جملة يتيمة عن ذلك، حيث جاء بوضوح "من رأت أن أخيها يجامعها أو والدها فهو خير يأتيها من جهته".
قال فرويد: تفسير ابن سيرين ذو دلالة بالغة هنا، رغم أن تأوبلات هذه الكتب الشعبية لا يعتدّ بها في العادة، مع أنها تُكَرّس فنتازماً كان موجوداً قبلها دون شك، بدليل كثيرة الحديث عن وقائعه وحوادثه اليوم في صحافتكم الشعبية ووسائط تواصلكم الحديثة التي تسمح بالمجهولية التامة لهوية المتحدّث.
قلت لفرويد: وهناك مثل يورده الميدانيّ، هو "عذرتني كل ذات أب" وقد "قالته امرأة قيل أن أباها وطئها فقالت: عذرتني كل ذات أب، أي كل امرأة لها أب تعلم أن هذا كذب، يُضرب في استبعاد الشيء وإنكار كونه". انتهى.
قال فرويد: المثل لا يشير إلى أيّ العقدتين يقصد، عقدة أوديب أم عقدة ألكترا، أم كليهما، لأنه لا يعبّر عن عن رغبةٍ إنما عن تهمة، لكن تحويل التهمة إلى مثل سائر قد يشير إلى مطمور ومكبوت.
قلت لفرويد: رأينا سابقا هذه التهمة وقد قيلت بصفتها رغبة محلوماً بها، لكن على لسان رجل.
قال فرويد: في المثل الراهن، لا تُقال بصفتها رغبة محلوماً بها على لسان امرأة، رغم جملة الميداني الملتبسة )استبعاد الشيء وإنكار كونه( التي قد تُقرأ إن استبعاد الشيء ليس بالضرورة إنكاراً لوجوده.
لسان العرب حسب سيغموند فرويد: عقدة إلكترا(2-2)
نشر في: 25 نوفمبر, 2016: 09:01 م










