يبدو أن اصحاب الشأن ممن تصدوا لمهمة قيادة الكرة العراقية قد أدمنوا لعبة التضليل والاختباء حين تشتدّ نيران الغضب الجماهيري بذريعة التمسك بموقفهم وعبقرية رؤيتهم مع مسحة رقيقة من قدسية الالتزام بالكلمة والعهد لميثاق التعاقد مع الملاك التدريبي لقيادة المنتخب الوطني ، حتى وإن انتهت رحلة الأمل بالتأهل الى كأس العالم 2018 أو انهارت أسس البناء لمستقبل أكثر إشراقاً وقوة كان هو الستار الذي يلوذون خلفه مع كل انتكاسة. لم تمر على الشارع الكروي منذ سنوات خلت مصيبة كمصيبة تهاوي هيبة المنتخب بسيناريو وتنفيذ محلي تحطمت معه كل الأرقام القياسية في الهزائم وأمام منتخبات كانت لا تمثل عقبة مستعصية العبور منها، ومما زاد المشهد إيلاماً وتعقيداً هو ضياع هوية وبصمة أسود الرافدين وفقدانهم للثقة بالنفس وتخبط كان يبدأ من المنطقة الفنية ليضرب أوصال المنتخب داخل الميدان.
لا نريد في حديثنا أن نعيد ماهو متداول بين اوساط المجتمع الرياضي والذي حمّل الاتحاد والملاك التدريبي المسؤولية الكاملة لما يجري من تداعيات جسيمة رافقت النتائج الهزيلة وفضحت بدائية التخطيط لجوهر مسؤوليتهم الوظيفية في الحفاظ على البناء الكروي وقيادته نحو آفاق أكثر تطوراً، إلا أننا نستغرب بروز ظاهرة دخيلة بدأت تشكل عنوانا لطريقة التعامل مع الأزمات تتمثل في (العناد الشخصي) سواء للاتحاد او الملاك التدريبي في التصرّف بالمواقف العامة التي ترتبط بمصير الكرة العراقية ومحاولة ( تقزيم الموقف ) عبر سحبه لساحة الخلافات الشخصية وتصفية الحسابات وإظهار المطالبات الجماهيرية بمعالجات سريعة لما يجري وكأنها ولدت بفعل فاعل وليس لأنها أمر حتمي للصورة القاتمة التي رافقت ظهور أسود الرافدين خلال فترة الاستعدادات مروراً بمباريات الدور الأول من تصفيات كأس العالم الحاسمة.لقد حذّرنا مرات عدة عبر منبر (المدى) ومنذ أول تصريح غير منطقي عن برنامج وأهداف راضي شنيشل في بناء منتخب للمستقبل أن آمال ومشاعر الجماهير الكروية لا يمكن أن تقاد وفق الرغبات الآنية أو تكون مسيطر عليها بمفتاح يتحكّم به من يشاء ليجعلها تكتم انفعالاتها وتتوافق في رؤيتها مع افكاره ومشاريعه لسنين وسنين لحين ولادة (منتخب المعجزة) الموعودين به خاصة أننا أمام أحد أهم التطلعات التي تسعى اليها كل الدول وهو الوصول الى كأس العالم ، وبالتالي فإن اختيار الوقت والمناسبة كان أول بشائر الفشل الذريع.
برغم ما جرى كان يمكن أن يظهر المعنيون احتراماً أكبر في إطفاء لهيب الغضب والاعتراف بالمسؤولية المشتركة.. وكنا نمنّي النفس بأن نعيش واقعاً ديمقراطياً وحضارياً يتمثل في تسابق من اسهم ولو باستشارة خاطئة أو خانته قدرته والظروف على انتشال المنتخب من واقعه المرير بتقديم استقالاتهم فوراً كرد طبيعي يظهر الحرص الحقيقي على اسناد المهمة لمن هم أكثر تأثيراً لوضع الحلول وإنقاذ ما يمكن انقاذه حتى وإن اخفقوا فليس هناك ما هو أسوأ من الواقع الحالي الذي وصلنا اليه في عهدتهم.صُدمنا حقاً بتبريرات واهية ووعود جديدة بتصحيح المسار، بل والتنافس على خطف إحدى بطاقات التأهل عبر حلول ترقيعية تبدأ بتغيير بعض الطواقم المساعدة وإضافة مستشارين فنيين دون المساس برأس الهرم التدريبي وهو إجراء يُراد منه الهروب من المأزق من خلال التضحية بعناوين لا تمتلك قوة التأثير الشخصي والقانوني في فرض تواجدهم وفي ذات الوقت الادعاء بإيجاد الحلول وتدارك الوضع المتأزم.باختصار : الكرة العراقية تمرّ في فترة احتضار حقيقية بعد أن اصبحت أسيرة الأهواء والرغبات وتحوّلت من كونها ملكية وارث عام الى سلعة شخصية يستحوذ عليها من هو أكثر نفوذاً وتأثيراً في الاتحاد وخارجه ، وبالتالي فإنها تهاوتْ خارج حدود المنطقة الآمنة التي تحافظ عليها وتصون هويتها وبات لزاماً أن تتم مناقشة ملف الأزمة من جهات حكومية عليا لإيجاد علاج جذري لها دون التحجّج بردة فعل (فيفا) وتهديده بتجميد المشاركات الخارجية ، وإن حدث فهو أخيَر من البقاء تحت أمطار الهزائم المخزية!
عنادكم يهوي بالمنتخب
[post-views]
نشر في: 25 نوفمبر, 2016: 09:01 م