adnan.h@almadapaper.net
لم يبقَ غير أن تُرسل حكومتنا الجواسيس إلى مخادع النوم لتتسمّع على ما يقوله الأزواج من موظفيها وموظفاتها لأزواجهم، أو أن توظّف الأطفال في هذه المهمة، مثلما كان النظام السابق يفعل، لتمتلئ مراكز الشرطة وقاعات المحاكم بالمطلوبين في تهمة الإساءة للحكومة ورموزها!
منطق الأشياء يدفع في هذا الاتجاه بعدما عمّمت دائرة الموارد البشرية والخدمات الإدارية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء كتاباً تطلب فيه من الموظفين عدم نشر أية مواضيع "مخالفة للسلوك الوظيفي أو تسيء للحكومة أو أحد رموزها في حساباتهم "الشخصية" في مواقع التواصل الاجتماعي !
هذا الإجراء يتعارض أولاً مع حكم المادة (38) من مواد الدستور الدائم القائلة:
"تكفل الدولة بما لا يخلّ بالنظام العام والآداب: أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل".
وتتعارض أيضاً مع حكم المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقّع عليه العراق وصار مُلزماً لدولته وحكومته بكل مواده، وهي مادة لطالما استخدمناها في نضالنا ضد النظام السابق وسياساته أيام المعارضة. تقول المادة:
"1- لكلّ إنسان الحقّ في اعتناق آراء دون مضايقة.
" 2- لكلّ إنسان الحقّ في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فنيّ أو بأية وسيلة أخرى يختارها".
وعلى ذكر أيام المعارضة، ففي واحد منها حدّثّنا القيادي الشيوعي الراحل عامر عبد الله الذي كان وزير دولة في السبعينيات من القرن الماضي، بأنه كان في بعض الأحيان يُكلَّف بحقيبة وزارة العدل وكالة بوصفه حقوقياً، عندما يذهب الوزير الأصيل في مهمة خارج البلاد أو يتمتع بإجازة. وفي إحدى المرات - قال عبدالله – إنه تسلّم مشروع قانون لكي يوقّعه ويرفعه إلى رئيس الجمهورية آنئذ، أحمد حسن البكر .. المشروع يقضي بسجن كلّ من يشتم رئيس الجمهورية ونائبه وسائر أعضاء قيادة حزب البعث ستة أشهر.
قال عبدالله إنه تعجّب واستنكر من السعي لتشريع قانون كهذا، فرفع سمّاعة التلفون ليتحدّث إلى البكر مستفهماً. أجاب البكر بأن هناك معلومات عن شباب يسكرون ليلاّ في بغداد ويخرجون الى الشارع ليشتموا الرئيس من دون سبب. يواصل عبد الله: قلتُ للرئيس: أبا هيثم ها أنت تقول إنهم شباب سكارى، أي ليسوا على وعي بما يفعلون، وقد يندمون على فعلتهم عندما تذهب سكرتهم، لكنّك بهذا القانون ستجعلهم يشتمونك في كلّ لحظة طوال الأشهر الستة وبعدها، بل إنّ أمهاتهم وآباءهم وإخوتهم وأعمامهم وأخوالهم وأصدقاءهم سينضمّون إليهم في شتمك، فهل ترغب في حال كهذه؟
يقول عبدالله إنّ البكر أمره في الحال بعدم التوقيع على القانون وعدم إرساله إليه. لكنّ صدام حسين بعث الحياة في ذلك القانون في عهده، بل إنه رفع مستوى العقوبة إلى الإعدام! ولم ينجح برغم ذلك من وقْف شتيمة الناس له، بدليل أنّ العشرات من العراقيين قد أُعدموا في عهده بتهمة شتيمته.
قصة عامر عبدالله والبكر والقانون الذي لم ير النور أضعها برسم رئيس الوزراء وأسأله: هل تريد للناس أن "تسيء للحكومة أو أحد رموزها" في البيوت والمقاهي على مدار الساعة، بدلاً من انتقادها على المكشوف عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
جميع التعليقات 1
خليلو...
أستاذي العزيز : أنت على يقين تام أن الرجل كان حقوقيا حقا ومفكرا اذكر له مواقف مشابهة لهذه : عندما حدثت المسيرة الجماهيرية المنطلقة من النجف نحو كربلاء إستشاره صدام في كيفية معالجتها إقترح علييه ان يتركهم فهم عند بلوغ الغاية سينصرفون الى بيوتهم ولكن صدام ط