adnan.h@almadapaper.net
يتبيّن الآن أننا - أقصد نظامنا السياسي الراهن - في قلب "فضيحة مربّعة" بالتعبير العراقي الشعبي، أو "فضيحة بجلاجل" بالتعبير المصري الذي صار عاماً شاملاً في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج بفضل صناعة السينما والتلفزيون المصرية المزدهرة والمؤثّرة.
أول من أمس كتبتُ هنا عن الشعور بالعار الذي انتابني وأنا أقرأ الخبر بالحكم على عالمة البايولوجي وعضوة قيادة النظام السابق هدى صالح مهدي عماش 15 سنة سجناً ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة، بتهمة تجاوزها على المال العام المتمثل في "الاستحواذ من دون وجه حقّ على خمس سيارات حكومية نوع (بيك آب دبل قمارة) تعود ملكيّتها إلى وزارة التربية".
الحكم، وهو غيابي ،لأن السيدة عماش تعيش خارج البلاد منذ إطلاق سراحها في نهاية العام 2005، صادر عن محكمة الجنايات المتخصّصة بقضايا النزاهة، وهي استندت في النطق به إلى معلومات مُقدّمة من دائرةِ التحقيقات في هيئة النزاهة، ولابدّ أنّ جهاز الادعاء العام، وهو جزء من السلطة القضائية، على علم بالقضية من أولها إلى آخرها.
قبل مرور 24 ساعة على نشر الخبر الخاص بالحكم وعلى كتابتي عمود أول من أمس، تبيّن أن السيدة عماش لم تكن في أي يوم وكيلة لوزارة التربية. هي عملت بعد تخرّجها في كلية العلوم بجامعة بغداد مساعدة مختبر في الكلية نفسها (كانت بين العشرة الأوائل)، قبل أن تذهب في بعثة الى الولايات المتحدة لتنال درجتي الماستر والدكتوراه لتعود إلى كليّتها البغدادية وتعمل مدرّسة ثم أستاذة مساعدة فيها وفي كلية صدام الطبية، بعدها عُيّنت مديرة عامة في مكتب أمانة سر القطر لحزب البعث الحاكم وعميدة لكلية التربية للبنات بجامعة بغداد ثم عميدة لكلية العلوم. وكانت في سنوات النظام السابق الأخيرة بين أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث حتى يوم سقوط نظام صدام ومن ثم اعتقالها على أيدي القوات الأميركية.
ماذا يعني هذا؟ .. بكلّ بساطة، يعني أن القضية مُلفّقة ولا أساس من الصحة لها. وما الذي يعنيه هذا بدوره؟ إنه بمنتهى البساطة يعني أن الحكم باطل، فما بُني على باطل فهو باطل كما تقول القاعدة القانونية والفقهية.
كيف حصل أن تُخطئ هيئة النزاهة ودائرة التحقيقات فيها فترفعان قضية ضد هدى عماش بتهمة لا أساس لها؟ .. الجواب مطلوب من هيئة النزاهة وجهاز الادعاء العام ومحكمة الجنايات المتخصصة بقضايا النزاهة، ومطلوب منها أيضاً الإجابة عن السؤال الحارق المطروح على أوسع نطاف منذ الإعلان عن الحكم على السيدة عماش: كيف تأتّى أن توضع جانباً قضايا الفساد الكبرى (المليارية) المتورط فيها أقطاب نظامنا الحالي وتنشغل هيئة النزاهة والسلطة القضائية بقضية حتى لو صحّت فلا تساوي مقدار قطرة في بحر فساد النظام الحالي؟!
لكن السؤال الأهم: كم قضية من هذا النوع أخطأت فيها هيئة النزاهة وسائر الهيئات المتعاملة مع قضايا كهذه، كهيئة المساءلة والعدالة وهيئة نزاعات الملكية وسواهما؟
ما الذي يُفترض أن يترتب على بطلان الحكم على السيدة عماش؟
الجواب: تبييض وجه نظام صدام، وزيادة في تسويد وجه نظامنا السياسي القائم، وهذه هي الفضيحة المُربَّعة أو التي بجلاجل.
يشيع منذ سنوات بين الناس أن سيدة عراقية كانت ترفع يديها إلى السماء داعيةً على أرباب نظامنا الحالي بأن يسوّد الله وجوههم، فلما سُئلت عن سبب دعائها أجابت بأن هؤلاء قد بيّضوا وجه صدام .. وهي كانت على حقّ في الواقع، فكلّ ما حصل على أيديهم، منذ أن أسقطت لهم واشنطن صدام ومكّنتهم من السلطة حتى اليوم، هو تبييض لوجه صدام!
جميع التعليقات 2
sami
استاذي العزيز ربما احد اركان النظام الحالي حاط عينه على أملاك الدكتورة هدى فلم يجد حيلة شرعية غير هذه
د. سمير بغدادي
قبل كل شيء، شكرًا صديقي على هذا المقال الرائع. ولكني اريد أن أقول انني كعراقي افتخر ان امرأة مثل هدى عماش، هي عالمة في مجال اختصاصها. امرأة عراقية تعترف الدول الغربية ومنها أميركا بإمكاناتها العلمية، وتم إغرائها للعمل في الدول الغربية عندما تخرجت بت