مَن أصغى للحديث التلفازي لمدرب الشرطة المصري محمد يوسف أثناء تقييمه مكانة دوري الكرة الممتاز الموسم 2016-2017 ووصفه له بأنه أحد أفضل الدوريات تنافساً من بين الدوريات في المنطقة لاسيما تلك التي تحظى بدعم إعلامي هائل ، مَن أصغى له فإنه يوقن مدى الفارق الفاضح بين تحليل مدرب محترف له قيمته الفنية ومنجزاته وثقافته الرصينة وبين بعض المحللين ممن يجبروننا على تغيير القناة الفضائية لعدم نجاعة ما يدلون به وتأثّرهم بضغوط شخصية أكثر مما هي واقعية عند تسديد سِهام النقــد.
لم يأتِ يوسف بجديد في إشارته الى أن الدوري العراقي هو نفسه من أنجب حارس المرمى رعد حمودي والمدافع عدنان درجال والمهاجم حسين سعيد مروراً بجيل أبطال كأس آسيا 2007 وليس انتهاءً بخَلَفهم أبطال القارة للناشئين 2016 ، لكنه كان ذكياً في مروره التاريخي وإشادته بفضل الدوري على المنتخبات الوطنية وانبهار الأخوة في مصر لنجوم العراق سابقاً وحاضراً كونه من الدوريات الاستثنائية في المحيط العربي الولودة بالمواهب والنجوم كباراً وصغاراً، وعليه لابد من تضافر جهود مسؤولي الكرة ولجنة المسابقات والمدربين للمحافظة على اللاعبين من الإهمال والضياع.
كان يوسف مُنصفاً مع نفسه ومصداقاً من دون مجاملة أو تصنّع المديح وهو يتناول حقبتي رئيسي النادي الأسبق والحالي الإيادين ( بنيان وعبدالرحمن ) بحكم المرحلتين التي أمضاها مع الفريق موسم 2014-2015 ثم معاودته اليوم باندفاع كبير لتكرار النتائج الرائعة ذاتها التي قدمته مدرباً منتصراً بلا خسارة واحدة في مجموعته الثانية بفضل العلاقة المثالية التي جمعته مع إدارة النادي وابتعاده عن خلق الأزمات أو الاحتكاك مع أطراف خارج العمل الفني ومطالبته بمستلزمات إنجاح مهمته وتمكّن اللاعبين من الانسجام معه وكسب النقاط من دون أعباء نفسية تُشتت ذهنية اللاعب داخل مستطيل التحدي.
استوقفتني إشادة يوسف بفريق الحدود وامتلاكه نوعية من اللاعبين المثابرين يقودهم مدرب طموح يخطط ما يريد ويحصد ثمرة الجهود بهدوء، يتحدث يوسف عن الحدود بانبهار وكأنه مدرب الفريق ويحذّر الفرق والجمهور من مفاجآته في الأدوار المقبلة ، بهكذا روحية نادرة تعامل محمد يوسف مع الفريق بلا احتقان برغم انه كان ندّاً له وأحرجه ولم ينجُ منه ويكسر التعادل معه إلا في الدقيقة 84 بهدف مروان حسين الثالث لحساب الدور الثامن، ولم يُكابر مدرب الشرطة برغم الفرق الشاسع في تاريخ الفريقين والقاعدة الجماهيرية التي يحظى بها الأخضر.
18 نقطة ، وبفارق نقطتين عن المتصدر نفط الوسط ، يقف المدرب محمد يوسف في دائرة الإطمئنان مع الشرطة مواصلاً عمله الفني المنظّم سعياً للقبض على الصدارة والحيلولة دون التخلي عنها وفقاً لمتغيرات خارطة المنافسة الماراثونية هذا الموسم ، لكنه بلا شك يسير بخطوات متوازنة وحريصة لئلا يتعثّر باعتباره مَن اختار التشكيلة بنفسه ويعرف قدرات كل لاعب وتوظيفه باسلوب تكتيكي يعتمد على الاستقرار في المركز مع إضافة واجبات خاصة يعي تأثيرها مسبقاً، لذلك جاءت صفقة التعاقد معه لتؤكد أنه بالفعل " العرّاف بأسرار فريق الشرطة والقريب من أفكار لاعبيه وإدارته " ومثل هذه العلاقة التي يُفترض أن تسود في جميع الأندية تقطع أية محاولة لتعكير أجواء الفريق وتفوّت الفرصة على طبّالي الأزمات ممن لا يروق لهم نجاح المدرب والإدارة أو تأجيج الفتن تمهيداً لزعزعة الثقة لتسهيل المهمة لمدربين عاطلين بعضهم يعتاش على إفساد الذمم وخراب مهمات زملائه!
تعلّموا من محمد يوسف ، ليس بذلك عيبٌ ، فهو نموذج للمدرب العربي المتنوّر بعلمية الاحتراف والمتسلّح بالصِدقية بمن حوله، وكلاهما من أهم صفات المدرب العصري في عالم يعجّ بمدّعي التدريب في كل ساحات العرب، يكذبون على أنفسهم والإعلام والجمهور بصناعة الوهم ويبيعون وعوداً فارغة من دون إحساسهم بانعكاس عملهم السلبي هذا على تنشئةِ جيلٍ واهِنٍ ومُخادعٍ يُسهم في سقوط كرة الأمة عاجلاً أم آجلاً.
تعلّموا من محمد يوسف
[post-views]
نشر في: 4 ديسمبر, 2016: 04:49 م