TOP

جريدة المدى > عام > فـي آخر أمسية له..المقهى الثقافي يحتفي بالأغنية العراقية

فـي آخر أمسية له..المقهى الثقافي يحتفي بالأغنية العراقية

نشر في: 7 ديسمبر, 2016: 12:01 ص

 أنهى المقهى الثقافي العراقي في لندن آخر امسياته لعام 2016 بأمسية مميزة عن الأغنية العراقية،  يوم الأحد المصادف 27 11 2016، احياها الفنانان المبدعان رؤيا غالي وهاشم الساعدي.  وقد كانت هذه الأمسية واحدة من الجهود التي بذلها المقهى للت

 أنهى المقهى الثقافي العراقي في لندن آخر امسياته لعام 2016 بأمسية مميزة عن الأغنية العراقية،  يوم الأحد المصادف 27 11 2016، احياها الفنانان المبدعان رؤيا غالي وهاشم الساعدي.  وقد كانت هذه الأمسية واحدة من الجهود التي بذلها المقهى للتعريف بفن الموسيقى في العراق والعالم العربي ، حيث كانت له في السنوات السابقة أمسيات عديدة عنها، تناول فيها شتى الأجناس الفنية في الموسيقى العربية، مثل فن الموشح الذي قدمه لنا الفنان إحسان الإمام والمقام  العراقي ،وخاصة مقام اللامي، الذي شارك في تقديمه  الفنانون رؤيا غالي ، صهيب هاشم الرجب وعمّار علو ثم امسية الفنان الكبير صالح الكويتي التي قدمها الفنان أحمد مختار وكذلك الغناء البدوي الذي قدمه الباحث والفنان د. سعدي الحديثي و جنس الموسيقى التصويرية التي قدمها الفنان طه رهك وكذلك السلالم اللونية والأشكال الموسيقية للباحثة والمؤلفة الموسيقية الجزائرية عائشة خلاف.   
تحدث في البداية الفنان علي رفيق وقدم لنا نبذة مختصرة عن الأمسية وفنانَيْها ، بعدها تحدثت الفنانة رؤيا غالي عن طبيعة الأمسية والأغاني التي تم اختيارها. ثم استفاض الفنان هاشم الساعدي في الحديث عن الأغاني التي شكلت وجدان العراقيين وعرّف بمقاماتها وانواعها والمناطق التي نشأت فيها. كما تحدث عن طبيعة المقامات وتنوعها وعلاقتها بالمشاعر البشرية ، من افراح واحزان وغيرها.
كانت أغنية ( هالليلة  ليلة من العمر )  ألحان الكبير رضا علي اول الأغاني، إذ صدحت بها رؤيا لتحرك الجمهور يميناً وشمالاً ثم أردفتها بالأغنية التي كانت من ضمن أغاني أوبريت ( بيادر خير ) الذي اثار ضجة واسعة وقتها في الأوساط الفنية العراقية ، والتي لحنها المبدع حميد البصري وهي أغنية ( لا لا لا لول لوه لول لوه ) الشهيرة. حيث ازداد حماس الحضور واخذ يرددها مع المطربة رؤيا . كانت الأغاني التي قدمت ، لها  طعمها الخاص واثرها في الذاكرة العراقية وخاصة ذاكرة المغتربين والمنفيين منذ سنوات الدكتاتورية البغيضة ، لهذا كانت تترك اثرها على السامعين وتحرك دواخلهم تلقائياً  حتى اجبرت البعض  لإطلاق الهلاهل والزغاريد خلال هذا المهرجان الغنائي الجميل.
من لايتذكر  أغنية : ( شفته وبالعجل حبيته والله ) ؟ للكبيرة لميعة توفيق  وكم ستخطر على السامعين صور وحكايات الحب الأول والحب من اول نظرة ؟  فهي مترسبة في وجدان كل عاشق عراقي ، تعرض لجاذبية النظرة الأولى، ومن لا يتحرك  عند سماعه أغنية  ( اتوبه من المحبة  القلب ما يتوب )  للرائع عباس جميل ؟  وهل ستبقى اعصاب هادئة للسامع وهو في هذا الجو الذي يعيده الى مدينته الأولى وأيام عذاباته عندما حاول التخلص من معاناة الحب، لكن قلبه لم يطاوعه وتركه عرضة للأفكار والبلبلة والظنون ، كانت هذه الأغنية تدفع السامعين لإعادة المشاهد الأولى للغرام وتجبرهم على تصور وجه الحبيبة الأولى او الحبيب الأول ، لقد تجلا المطربان في نشوة غامرة ليمنحا جمهور المقهى ذلك الألق المفقود في سني الغربة وعوالمها الثقيلة.  وما ذا نقول للفنان هاشم الساعدي عندما يتحفنا بأغنية ( انا اشسويت  يا احبابي وظلمتوني ؟ ) للمبدع المنسي احمد الخليل؟  هذه الأغنية العذبة والرهيفة والمليئة بالعتب والأسى والخذلان،  لقد وصل للذروة عندما قال : " ردت أعرف شنو ذنبي أنا اشسويت ؟ ".   شيء من الكهرباء والجاذبية لا انفكاك منهما وتتوارد عليك الصور من كل صوب، قلوب مكسورة وعواطف مجروحة ونشدان للدفء والحنان .  وكي ترفع المطربة رؤيا  من المزاج بعد  خذلان حبيب أحمد الخليل، تنطلق بإغنية ( مركب هوانه من البصرة جانه ) لرضا علي  مبدع الأغنية البغدادية الأصيلة ، فترتفع موجة المزاج وتبداً التصفيقات  ويردد الجمهور الكلمات مع المطربة بنشوة وطرب. لكن الفنان هاشم لم يترك الساحة لرؤيا فينطلق بعدها مباشرة  بأغنية ( يابو المشحوف تانيني ) للمطرب الرائع محمد عبد المحسن ، وينسجم الحضور معه وترتفع الأصوات معه : " خذني وانحدر بيّ لوليف القلب وديني " ، نهر من الحنين الى هناك فيتذكر الجميع ما خلّفوه وراءهم من قصص واحلام وذكريات،  لكن تلاحقه رؤيا بأغنية ( امس واليوم ما مروا عليّ ) للرائعة وحيدة خليل ، لتعود نغمة الأسى وتهبط الأحزان مجدداً على السامعين، فالمسافة هائلة بين المنفى والوطن والأعزاء هناك بينما هم هنا يكتوون بنار البعاد والفراق و الحسرة على ما مضى. ثم تعقبها بأغنية ( إدلل عليّ إدلل ) لرضا علي ، لتعود الفرحة وتشرق الوجوه مجدداً  و هكذا يبقى المطربان يتباريان كل يريد ان يقدم الأفضل والأحسن لجمهور ينصت بجلال ومحبة وفرح لهذا الفيض من الألحان التي سمعوها مراراً لكنهم الان وكأنهم  يسمعونها لأول مرة. فتارة تجد الصمت يهيمن على القاعة وتارة يشع الفرح وتنبثق البهجة من النفوس والمطربان يتلاعبان بعواطف السامعين ذات اليمين وذات الشمال وكلاهما راضٍ عما يشعر به. والجدير بالذكر ان الفنان نامق اديب كان حاضراً هذه الأمسية،  فلم يشأ الفنان علي رفيق تضييع هذه الفرصة على جمهور المقهى فدعا الفنان نامق ليختتم الأمسية بإحدى اغانية السبعينية فلم يبخل على المقهى وجمهوره فارتقى الخشبة وعزف بكل ما أوتي من حماسة ليلهب السامعين بواحدة من أغانيه المعبرة.
المهم هنا في هذه الأمسية، طبيعتها ذات المنحى المعرفي، فهي ليست حفلاً غنائياً ولا سهرة  طربية، رغم حجم الطرب والغناء فيها، بل هي مادة ثقافية تخللها بحث جاد في طبيعة الأغنية العراقية قدمه كما اسلفت الفنان هاشم الساعدي الذي بذل جهداً مرموقاً في إعداد المادة النظرية للأمسية .
والحديث عن المقهى يعني الحديث عن جهود مجهولة وغير منظورة  لجمهرة واسعة من المتضامنين معه، فترتيب الكراسي يقوم بها الجمهور نفسه وكذلك إعادتها الى اماكنها السابقة والجلوس الى طاولة مكتبة المقهى وبيع ما تيسر من الكتب على الحضور من حصة من يتبرع من الجمهور الراغب في ذلك وهي مهمة ليست بالسهلة قطعاً  ويساهم جمهور المقهى في الكثير من الفعاليات  من خلال تقديم الضيف والتعريف به ، وهذا يتطلب منه الإعداد والتحضير على حساب  وقته ووقت عائلته ومع ذلك نرى إن من يقع عليه الإختيار يقوم على احسن وجه بمهمته وهو مسرور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

كريم السعدون.. شاعر اللون وصوت الإنسان في فضاء التشكيل

بروتريه: عبد الستار ناصر.. السارد الذي حكى سيرته بشجاعة

رواية سونتاج (في أمريكا) عن الهجرة واكتشاف الذات

انت تتجنب الاختلاط بالآخرين ؟ هنا مكمن قوتك

فاضل السلطاني يسبر وقائع الانهيار الثقافي

مقالات ذات صلة

رحيل ناجح المعموري ..حارس الاساطير البابلية
عام

رحيل ناجح المعموري ..حارس الاساطير البابلية

متابعة المدى عن عمر ناهز واحداً وثمانين عاماً، توفي الكاتب والباحث العراقي ناجح المعموري، يوم الأربعاء الماضي ، بعد معاناة مع المرض، في مدينة الحلّة بمحافظة بابل، حيث وُلد وعاش سنواته الأخيرة، في المكان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram