TOP

جريدة المدى > عام > ستيفن هوكنغ.. موجز تأريخ حياتي ..سيرة ذاتية - القسم السابع

ستيفن هوكنغ.. موجز تأريخ حياتي ..سيرة ذاتية - القسم السابع

نشر في: 7 ديسمبر, 2016: 12:01 ص

 
أواصل في هذا القسم - وأقسام أخرى ستأتي تباعاً - نشر أجزاء من الفصول الأولية للسيرة الذاتية الموجزة التي كتبها الفيزيائي النظري وعالم الكونيات الأشهر ( ستيفن هوكنغ ) ونشرتها دار نشر بانتام Bantam عام 2013 بعنوان ( موجز تأريخ حياتي My Brief His

 

أواصل في هذا القسم - وأقسام أخرى ستأتي تباعاً - نشر أجزاء من الفصول الأولية للسيرة الذاتية الموجزة التي كتبها الفيزيائي النظري وعالم الكونيات الأشهر ( ستيفن هوكنغ ) ونشرتها دار نشر بانتام Bantam عام 2013 بعنوان ( موجز تأريخ حياتي My Brief History ) .
المترجمة

الانفجار العظيم The Big Bang
كان السؤال الأساسي الأكثر جوهرية في علم الكوسمولوجيا خلال حقبة الستينات ( من القرن العشرين ) يختصّ بموضوعة : هل للكون بدايةُ ما ؟ اتخذ العديد من العلماء - مدفوعين على نحو غريزي - موقفاً مناهضاً لفكرة وجود بدايةٍ ما للكون ، وانسحب بالتالي موقفهم المناهض هذا على نظرية الانفجار العظيم ذاتها وذلك بدفعٍ من اعتقادهم أن الإيمان بخلق الكون في زمنٍ ما سيوفر حجّة تعمل على تقويض العلم ؛ إذ ربما سيجنح الكثيرون حينئذ نحو المواضعات الدينية القائلة بأنّ ( يد الله ) هي من خلقت الكون من العدم .
كان ثمة سيناريوهان بديلان ( عن الإنفجار العظيم ) ولم يكن بدٌّ من القبول بأحدهما : الأول هو نظرية الحالة المستقرة Steady - State Theory  التي ترى أنّ الكون دائم التوسّع وأنّ مادة جديدة يتمّ تخليقها باستمرار وذلك للحفاظ على ثبات متوسط كثافة المادة الكونية . لم تمتلك نظرية الحالة المستقرة أساساً نظرياً راسخاً وذلك لاحتياجها إلى حقل طاقة سالب بغية تخليق المادة على نحو مستمر ؛ الأمر الذي سيقود في نهاية المطاف إلى حالة من اللااستقرارية والتخليق اللانهائي للمادة والطاقة السلبية ، ولكن من جهة أخرى كانت ثمة حسنة فريدة لنظرية الحالة المستقرة وهي أن تخميناتها بشأن الكون كانت تتوافق على نحو جيد مع النتائج التجريبية المستحصلة من الأرصاد الكونية .
مع عام 1963 وجدت نظرية الحالة المستقرة نفسها في ورطة جدية : رصد فريق ( مارتن رايل ) البحثي الخاص بالفلك الراديوي والتابع لمختبر كافندش ( العائد لجامعة كامبردج ، المترجمة ) وجود مصادر راديوية ضعيفة متوزّعة على نحو منتظم في السماء ، وقد أشار هذا الأمر على نحو بيّن أن هذه المصادر آتية من خارج مجرتنا ، لكن الرسم البياني لعدد المصادر الراديوية المرصودة في مقابل قوة تلك المصادر لم يكن يتوافق مع تخمينات نظرية الحالة المستقرة ؛ إذ كان ثمة الكثير من المصادر بحيث لايمكن للمرء إلا أن يُدفَعَ دفعاً للاستنتاج بأن كثافة هذه المصادر كانت أعظم في الماضي السحيق .
حاول هويل Hoyle ومناصروه تقديم توضيحات تعمل على تدعيم موقف نظرية الحالة المستقرة إزاء البيانات المرصودة ؛ غير أن المسمار الأخير القاتل الذي غُرِز في نعش تلك النظرية كان بسبب الاكتشاف الهائل الذي حصل عام 1965 لِما بات يُعرَفُ ( إشعاع الخلفية الكونية المايكروي الضعيف ( - ذلك الإشعاع الذي تلتقطه الأرصاد الكونية والشبيه بالموجات المايكروية المنبعثة من فرن التسخين microwave oven ولكن بدرجة حرارة لاتتجاوز 2.7 كلفن وهي أعلى بقليل وحسب من درجة الصفر المطلق . لم يكن بوسع نظرية الحالة المستقرة تقديم تفسير مقبول لإشعاع الخلفية الكونية المايكروي الضعيف على الرغم من المحاولات العظيمة - لكن اليائسة في نهاية المطاف -  التي بذلها كل من هويل ونارليكار ، ومن جانبي وجدت أن الحظ وقف معي عندما لم أقبَل طالب دراسات عليا تحت إشراف هويل ؛ إذ لو حصل الأمر لكنت حتماً من المدافعين اليائسين عن نظرية الحالة المستقرة !! .
استوجب اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية المايكروي التفكير بأن الكون امتلك في أحد أطوار نشوئه السابقة طوراً عظيم السخونة والكثافة ، ولكن ذلك الإشعاع لم يحسم القول بأن ذلك الطور كان هو بذاته بداية الكون ؛ إذ يمكن للمرء مثلاً أن يتخيل بأن الكون كان في طور انكماش سابق ثم انقلب الانكماش تمدّداً بكثافة كونية عالية ولكن ثابتة في الوقت ذاته . كان هذا الأمر هو السؤال الجوهري السائد آنذاك في الكوسمولوجيا ، وكان أمر التحقق منه هو ماكنت أبحث عنه لإتمام متطلبات نيل شهادة الدكتوراه .
من المعلوم أن الجاذبية تعمل على لمّ المادة في حين يعمل الدوران على بعثرتها ؛ لذا كان سؤالي الأول والأساسي هو : هل يمكن لدوران الكون حول نفسه أن يتسبّب في تأرجحه بين حالتي الإنكماش والتمدد ؟ كان جوابي الذي توصّلت إليه بالاشتراك مع (جورج إيليس ) هو أن هذا الامر لايمكن أن يحصل إذا ماكان الكون يمتلك صفة التجانس الفضائي - أي إذا كان متماثلاً في كل نقطة من الفضاء ، ولكن على كل حال ادعى اثنان من العلماء الروس : إيفغيني ليفشيتز و إيزاك كالاتنيكوف أنهما توصّلا للبرهنة على أن الانكماش الشامل للكون مع عدم الحفاظ على تجانسه التام سيقود دوماً إلى تأرجحه بين انكماش وتمدد مع بقاء كثافته ثابتة . جاءت نظرية العالمين الروسيين متوافقة مع رؤى المادية الجدلية الماركسية - اللينينية لأنها تجاوزت التساؤلات الحساسة بشأن خلق الكون ؛ إذ من الواضح أن الأمر بات مسألة اعتقاد أكثر من كونه مسألة نظرية علمية بالنسبة للعلماء السوفييت.
كان ليفشيتز وكالاتنيكوف يتبعان المدرسة القديمة في النسبية العامة - تلك المدرسة التي يستأنس أعضاؤها بكتابة منظومة طويلة من المعادلات المعقدة ثم يمضون في تخمين حل مناسب لها ، ولكن لم يكن واضحاً فيما لو كان الحل الذي توصّلا إليه يمتلك عمومية كافية تؤهله ليكون حلاً مقبولاً . من جهة أخرى استخدم ( روجر بنروز ) مقاربة جديدة لم تكن تتطلّب حلّ معادلات المجال لآينشتاين بصورة صريحة ، وقدّم بنروز حلقة دراسية ( سمنار seminar ) بشأن مقاربته هذه في كلية الملك - لندن في شهر كانون ثاني 1965 ، ومن جانبي لم أحضر تلك الحلقة الدراسية غير أنني سمعت بشأنها عن طريق زميلي ( براندون كارتر ) الذي كان يشاركني مكتبه بقسم الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية DAMTP  المؤسس حديثاّ بجامعة كامبردج .
لم يكن بوسعي في البدء تفهم الأمر بشأن ماكان يقصده بنروز في مقاربته تلك : أوضح بنروز أن أي نجم متلاشٍ متى ماتقلّص وبلغ نصف قطر محدد فستنشأ حتماً نقطة انفرادية Singularity - حيّز يختفي فيه الزمان والمكان ، ولطالما اعتقدت من جانبي أن لاشيء يمكنه منع انهيار نجم بارد هائل الكتلة تحت تأثير جاذبيته الخاصة إلى الحد الذي يبلغ فيه انفرادية ذات كثافة لانهائية ، ولكن معادلات المجال لآينشتاين كانت قد حُلّت لحالة انهيار نجم كروي بالكامل Perfectly Spherical وحسب ، وبالطبع فإن النجوم السائدة في الكون ليست كروية بالكامل، وهنا يمكن القول أن ليفشيتز و كالاتينكوف لو كانا على صواب فإن الاستمرار في الابتعاد عن التماثل الكروي للنجم سيتزايد كلّما انهار النجم على نفسه أكثر فأكثر ؛ الأمر الذي سيباعِد أجزاءه عن بعضها  ويلغي إمكانية نشوء انفرادية ذات كثافة لانهائية . إن الأمر الجوهري الذي أبان عنه بنروز في حلقته الدراسية تلك هو أن العالميْن السوفييتيين كانا على خطأ : الابتعاد عن حالة التماثل النجمي الكروي لن يلغي إمكانية تشكّل انفرادية لانهائية الكثافة .
أدركت أن حججاً مماثلة لما سبق يمكن أن تقدّم بشأن توسّع الكون ، وفي هذه الحالة ساكون قادراً على برهنة وجود انفراديات يمتلك فيها هيكل الزمان - المكان بداية ، وهنا سيكون ليفشيتز و كالاتنيكوف على خطأ أيضاً . تنبّأت نظرية النسبية العامة بأن الكون يمتلك بداية ، ومن الطبيعي أن هذا التنبؤ لم تغفله الكنيسة وعملت على توظيفه لصالحها بقدر ماتستطيع!! .
في السنوات الخمس اللاحقة طوّر كلّ من ( روجر بنروز ، بوب غيروغ ) وأنا معهم نظرية الهيكل السببي في النسبية العامة ، وأراه شعوراً غامراً بالدهشة يعتريني كلما خطر ببالي أننا نحن الثلاثة من تولّى مسؤولية تطوير حقل علمي كامل لوحدنا تقريباً ، وهو أمر يختلف تماماً عمّا حصل في حقل الجسيمات الأولية حيث يتدافع الباحثون بالمناكب ويتساقطون فوق بعضهم في محاولة اللحاق بآخر التطورات العلمية في ميدانهم ، ومازالوا يفعلون !! .
أجملتُ بعض التطورات الأخيرة في مقالة علمية فازت بجائزة آدامز بجامعة كامبردج عام 1966 ، واستخدمتُ هذه المقالة كأساس في كتابة كتابي الأول ( هيكل الزمان - المكان على المقياس الكبير The Large Scale Structure of Space-Time ) الذي ألفته بالاشتراك مع ( جورج إيليس ) وصدر عن مطبعة جامعة كامبردج عام 1973 ، ولايزال الكتاب يُطبَعُ حتى يومنا هذا لأنه يُعَدُّ الكلمة الأخيرة فيما كُتِب بشأن نظرية الهيكل السببي للزمان - المكان : أي محاولة الإجابة عن التساؤل بشأن أي قطب في هيكل الزمان - المكان يمكن أن يؤثر في سير حوادث تقع في نقاط أخرى من الهيكل ، وهنا ينبغي لي تحذير القارئ غير المتخصص من محاولة الاستفادة من هذا الكتاب بالتحديد لأنه كتاب هائل التعقيد من الناحية التقنية الرياضياتية ؛ فقد كتبته في وقت كنت أسعى فيه لتثبيت موطئ قدمي كرياضياتي لايقبل أن يتنازل عن الصرامة المعهودة في لغة المتخصصين في حقل الرياضيات الصرفة ، بينما أجدني اليوم ميالاً أكثر لأن أكون صائباً في آرائي عوض التركيز على صرامة الصياغات الرياضياتية ، وفي كل الأحوال لم يعُد ممكناً اليوم - بل أنه أمر مستحيل التحقق تقريباً - أن يكون الفيزيائي صارماً كما كان من قبل وبخاصة في حقل الفيزياء الكمية التي تأسست على خلفية رياضياتية رجراجة لاتماثل صرامة الرياضيات التي تأسست عليها حقول فيزيائية أخرى.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الحصيري في ثلاثة أزمنة

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

تنويعات في الوضوح

مقالات ذات صلة

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون
عام

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

استطلاع/ علاء المفرجي تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram