TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العسكر البريطانيون وكشّافة بغداد 2-6

العسكر البريطانيون وكشّافة بغداد 2-6

نشر في: 6 ديسمبر, 2016: 09:01 م

الحكومة الإنقلابية التي شكلها الكولونيل رشيد عالي الكيلاني، وقبلها الملك غازي الأول الذي توفى بحادث سيارة في بغداد 1939، كانت معروفة بعلاقتها بألمانيا النازية، أمر لعب دوراً كبيراً بالتحريض ضد اليهود في العراق. سيارة المرسيديس كوبيه الفضية التي أهداها أدولف هتلر عام 1936 للملك غازي، ثاني ملك على العراق، ما تزال موجودة في المتحف الخاص بالعائلة المالكة التي حكمت العراق من 1921 حتى عام 1958 في بغداد.
تأجيج المشاعر ضد اليهود كأنهم هم المسؤولون عن دخول الإنكليز إلى بغداد، كانت إحدى الأوراق التي لعبتها الحكومة آنذاك، بالتوازي مع بثّ الإذاعة العراقية للبيانات العسكرية التي تخللتها أول أناشيد فاشية نشأت في العراق، تلك الأناشيد التي سبق وأن أوعز الملك غازي بنظمها عند إنشائه منظمة الفتوة والشباب على غرار المنظمات الفاشية، مثل نشيد "لاحت رؤوس الحرابِ تلمع بين الروابي"، و"نحن الشباب لنا الغد"، و"يا تراب الوطن ومقام الخلود ها نحن جئنا لما دعينا لنعود".
كل ذلك لم أعرفه في تلك الأيام، وكان عليّ أن أكبر لأعرف، أن الأناشيد المذكورة أعلاه والتي كان علينا طوال دراستنا في المرحلة الإبتدائية أن ننشدها كل صباح في ساحة المدرسة عند ساعة رفع العلم الوطني، هي بقايا المرحلة الفاشية القصيرة تلك، وأن السلطات التي حكمت لاحقاً لم تفعل كغيرها سوى أنها سارت على ذات الخطى الفاشية تلك، أيضاً لم أعرف عدد الضحايا التي تركتها أحداث الفرهود وراءها، ولا عدد الضحايا الأبرياء الذين سقطوا وقتلوا في حينها نتيجة القصف الجوي الذي جرى بين القوات الجوية البريطانية والمدفعية العراقية. حتى الدعم الجوي الألماني للإنقلابيين ما كنت عرفت له، لو لم أر لاحقاً وبعد سنوات من حصولي على البطاقة البريدية تلك للجنود البريطانيين على ضفة نهر دجلة اليمنى على جانب الكرخ في بغداد ، حطام هيكل طائرة فوكر ألمانية أسقطها الإنكليز، هيكل ظل جاثماً هناك حتى ساعة مغادرتي بغداد إلى المنفى في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1980. كل ذلك عرفته لاحقاً.
في ذلك الوقت شغلني الرجال الذين في الصورة. هندامهم، تنظيمهم، نظافتهم، لكن قبل كل شيء جذبني الهندام. بناطيلهم الكاكية اللون والقصيرة أظهرت سيقان الجنود. قيل أن الناس في البصرة، حيث دخل الجيش البريطاني عام 1914، كما بعدها في بغداد، استغربوا منظر الجنود البريطانيين. رجال ببناطيل قصيرة؟ سيقانهم بادية للعيان؟ لم يكن حتى ذلك الحين منظراً مألوفاً بالنسبة لهم، الجيش العثماني لبس بناطيلَ طويلة. ومَن لم يرم الجنود بالحجارة كما فعل الصبيان، أو مَن لم يَدّعي، أن العالم سينقلب، وأن ساعة يوم القيامة قد حانت، كما صرح بعض رجال الدين، ظن أن الجنود البريطانيين جنّوا، وإلا كيف يلبسون بناطيل قصيرة في الصيف؟ ألا يخشون لسعات البق والحر الشديد؟ "ألم نقل ان البريطانيين قوم غريبو الأطوار؟ "مجانين"، كما علق جدي يوماً على تلك الأحداث.
لكن ذلك حدث عام 1914،  في المراحل الأولى من دخول الجيش البريطاني إلى العراق، مع الوقت اعتاد الناس عليهم، بل راحوا يقلدونهم حتى شاع ولفترة طويلة لبس البنطلون القصير، على الأقل بين أفراد الطبقة العليا في بغداد، كما شاع في فرق الكشافة، وهذا ما جعل وجودهم يبدو لي وبالزي الذي لبسوه، بديهيا وروتينيا. لم أفكر في حينه، أنهم ربما كانوا انتهوا من مهمة عسكرية للتو، كأن تلك كانت هي لحظة سقوط بغداد في يد الإنكليز مجدداً، كلا، كل ما شغلني هو لون الملابس الكاكية تلك، دون أن تخطر في ذهني أية علاقة لها بالعسكرية كسلوك.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram