الأب ، الوافر الثراء ، الكثير الأبناء . مريض ، شديدة علّته، ضامه موقف أولاده منه ، حين رأى ازوراراً وتقصيراً منهم في العناية به ورعايته ، انتظاراً لرحيله الوشيك ، تأهباً لنوال حصتهم من الإرث . فأعتزم أمراً ….
نادى على خادمه الأمين ، طالباً منه ورقة وقلماً ، و.. بيد مرتعشة وقلب واجف . كتب وصيته الأخيرة ، مشفوغة بتوقيعه وبصمة إبهامه : (( إني الموقع ادناه ، أهب أموالي واملاكي للدولة)).
……….
تفاصيل هذه الواقعة الحقيقية ، قد تبدو متخيلة او فنطازية ، كحكاية من حكايات الف ليلة وليلة . لكنها على بساطتها ،حكاية دالة وموحية ، تؤكد بجلاء على قيمة الحرف — في العربية ومعظم اللغات — فقد يتغير مفهوم او مضمون عبارة او جملة تامة بحذف حرف منها ، او إضافة حرف آخر إليها .فما بالك بتقديم الفاعل على الفعل ، او إسقاط واو الجماعة من كلمة ، او تغليب المهم على الأهم ، او استبدال إحدى ادوات النصب بأداة جر ؟؟.
……
عودة لحكاية البداية …….
لمح احد الأبناء الورقة مركونة قرب مخدة الوالد المحتضر ، فأصابه هلع غامر من مضمون الوصية الأخيرة — الواجبة الأحترام والتنفيذ — وضامَه ان يُحرم وبقية الورثة من الإرث المنشود ، فاستل القلم ، وأضاف الحرف ( أ ) على يمين حرف ( الواو ) ، لتغدو الوصية هكذا : ((أهب اموالي أو أملاكي للدولة )) وهكذا ضمن حصته وبقية الورثة من نصيبهم في الإرث .
…….
اتذكر هذي الحكاية — الحقيقية او المنتحلة — كلما قرأت موضوعات - كأنما كتبت علي عجل او جهل — تفتقر لأبسط قواعد اللغة ، بتجاهل وضع الهمزة في النصب والرفع والجر ، ناهيك عن خرق حرمة الإملاء - سهواً او جهلاً -.
قد يتهمني البعض بالإفلاس ، او الكتابة على هامش الموضوعات ، تهرباً من الإشارة لما يجري من خروقات مصيرية . لكنها (اللغة ) يا أرباب الكلمة ، وهي الوطن ، وصدر الأم ، ولبن المرضعة ، وهي الحصن الحصين المتبقي لنا ، بعد كل ذاك الفقدان .
سطوة الحرف، هيبة الكلمة .
[post-views]
نشر في: 11 ديسمبر, 2016: 09:01 م