يمنحنا مقطع الفيديو الخاص بسخرية المتظاهرين من شيوخ العشائر، والذي نشر على مواقع التواصل أثناء زيارة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي للبصرة، فرصة المعاينة المشروعة للحديث عن حقيقة وموضوعية واحدة من اكثر صور المجتمع العراقي اختلافاً (الشيخ والعشيرة) وإذا سلّم بعضُنا بوجود مواقف وطنية لبعض شيوخ العشائر (الشيخ ضاري- شعلان ابو الجون- أبو طبيخ..) خلال حقبة الاستعمار البريطاني، وهي قضية قابلة للنقاش أيضاً، فتاريخ العشائر في العراق ومواقف الشيوخ في الوسط والجنوب، يوقفنا على أكثر من موقف مشين وشائن، وقضية النقود المزورة (دك الليط) التي طشتها القوات البريطانية على الشيوخ، أيام ثورة العشرين، تكشف لنا الخيانة والجانب المظلم من المسكوت عنه.
وليس بغائبة عن أحد الآلية القذرة والمشينة التي قام بها السلاطين والولاة العثمانيون في قمع الانتفاضات والثورات الشعبية، التي كان يقوم بها الفلاحون الجياع والمعدمون المساكين من أبناء العشائر، والتي دفعوا ثمنها دماً نقياً مقابل الاقطاعيات الواسعة والاراضي الزراعية، التي كان يقطعها الوالي العثماني للشيوخ، ولا جديد بفتح تاريخ الظلم والجور والامتهان والذل الذي أصاب الفلاحين على أيدي الشيوخ هؤلاء، فالذاكرة العراقية حافلة بذلك، وما زالت المساحات الشاسعة في ريف البصرة والعمارة والناصرية والكوت وغيرها مسجلة بأسماء حفنة من الشيوخ، الذين لا تتشرف الانسانية العراقية بذكر أسمائهم.
ظلت فقرات قانون الاصلاح الزراعي الذي سُنُّ في عهد عبد الكريم قاسم مضيئة الى اليوم، فقد أنهى بصورة ليست نهائية عهد الاقطاع، وتم تحرير الارض والانسان من ظلم الشيوخ، وحتى وقت قريب، من بعد منتصف القرن العشرين، كنا نقرأ شعارات مثل (لا عشائرية في العراق بعد اليوم) غير أن الحرب مع إيران والحاجة لتجميل وتمرير صورة صدام حسين، بوصفه قائداً منتصراً، كانت تستدعي منه استلال ورقة العشائر والشيوخ، هكذا مثلما فعل سلفه عبد السلام عارف، وفي متوالية الحاكم الظالم مقابل شيخ العشيرة الموالي له، راح التاريخ العراقي ينتقل من قذارة الى أخرى، حتى بعد أن اقتحمت الجماهير العراقية مقرات حزب البعث، عقب اندحار صدام حسين في حرب الخليج الثانية، ووقوف العشرات من شيوخ الوسط والجنوب مهوسين، بازخين، راقصين أمامه، في المشهد الذي يكشف حقيقة وجوهر هؤلاء الذين لا تتشرف بهم صفحات المجتمع والتاريخ العراقيين في الزمن الملتبس هذا.
ولكي لا يكون الحديث مقتصرا على شيوخ وعشائر الوسط والجنوب بخاصة، نذكّر بأن تاريخ أقرانهم في الغربية والموصل وديالى وصلاح الدين وبغداد لم يكن بحال افضل منهم، فالعمالة للحاكم الظالم وبيع الضمير وقبول عطايا السلطان والخليفة والرئيس على حساب الجماهير واحدة لا تتبدل، على مر الأزمنة واختلاف الوجوه، وهكذا شهدنا معاً مرحلة هي من ألعن مراحل تاريخ الشعب العراقي، في السنوات عقب العام 2005 الى اليوم، ورأينا كيف يقتل الأخ أخاه في حرب الهويات الطائفية والمناطقية ورأيناهم بعد ذلك، وهم يقفون على المنصات يشتمون ويهددون ويتوعدون في العلن، فيما تمتلئ أيديهم بعطايا ودنانير الظالمين في الداخل والخارج، ورأيناهم في الفضائيات وهم يُطعمون النار زيتا وقد التهمت اجسادنا معاً، ولولا حكمة البعض منهم، وهم نفر قليل جداً، لكان لنا حديث آخر بشانهم.
حتى اللحظة هذه، والامر يبدو منطقياً، إذ لا يختلف اثنان على صدق وواقعية ما ذكرنا من أفعال هؤلاء الشيوخ، ومن يتصفح الوريقات القريبة من تاريخ شيوخ العشائر في الجنوب بخاصة، ويطلع عن قرب على أسباب ونتائج المواجهات المسلحة والتعطيل التام لحياة العشرات والمئات من أتباعهم المسالمين المساكين، وكيف تغذى وتستعر وتدار آلية المواجهات تلك، ياخذه العجب العجاب في المعاني القبيحة التي سيجنيها الشعب جراء إقرار قانون العشائر الذي قد يمرره البرلمان. فهو بذلك إنما يقدِم على خطوة هي الأقبح، لأنه سيشرعن للظلم والقتل والكذب والنفاق وتلميع صورة الظالمين من الحاكمين السابقين والحاليين والقادمين.
صورة شيخ العشيرة في التاريخ الحديث
[post-views]
نشر في: 13 ديسمبر, 2016: 09:01 م