إطلعنا أمس السبت على بيان هزيل يُعبّر عن ضعف واضح في موقف اتحاد كرة القدم وهو يتناول أزمة مباراة النجف وضيفه أربيل التي جرت أمس الأول الجمعة بوصف إنشائي ينم عن عدم الشعور بمخاطر تكرار مثل هكذا إنفلات جماهيري في ظروف يأمل جميع العراقيين أن تكون كرة القدم أملهم الوحيد في جمع شملهم وإحاطة وحدتهم بسياج قوي من تراص اجسادهم ووعي عقولهم لئلا تخترق من جاهل أو كيّاد أو مُحاصِص مأجور!
اتحاد كرة القدم يتحمّل نتائج جميع الخروقات التي تشهدها ملاعب المحافظات ، وسبق أن ذهب عدد من الرياضيين ضحية إهمال الاتحاد نفسه أو إغفاله التنسيق مع مسؤولي تلك الملاعب أو مجالس المحافظات في تأمين السلامة الشخصية لكل فرد ذي صلة بالمباراة خلال الدقائق التسعين من حكام ومدربين ولاعبين وإداريين وجمهور، لاسيما أن الظروف المتواترة مستمرة منذ عام 2003 حتى الآن ، ومن السذاجة عزل الضغط البيئي والاجتماعي في مناحي الحياة عن سلوك المشجّع مهما كان استيعابه الثقافي وإلمامه بدوره في الملعب ما لم تكن حسابات الاتحاد دقيقة في تحصين هذا المشجع وتفويت الفرصة عمّن يسعى لجرّه وغيره الى هرج التعصّب.
منذ زمن طويل كنا نؤكد على ضرورة أن تكون قرارات اتحاد كرة القدم تتناسب مع خطورة الحدث ، ولا تتأثر بشخوص الحدث ، لكنّه في كل مرة يلجأ الى لغة الوعيد بإنزال أقصى العقوبات بمن يتسبب في الإضرار بسمعة الكرة العراقية كما حصل في مدرجات ملعب النجف عندما تبرّعت شلّة من الدخلاء على صفوة مشجعي الكرة النجفية المعروف عنهم التزامهم بأدب الملاعب ، لتعكير صفو العلاقة التاريخية بين أبناء البلد الواحد بهتافات جارحة لمشاعر لاعبي فريق أربيل أشعلت فتيل أزمة كبيرة قررت إثرها إدارة نادي أربيل الانسحاب من منافسات الدوري وتضامنت معها إدارة نادي زاخو ، خطوة لا تلامان عليها في ظل غياب الإجراءات الرادعة بلائحة اتحادية ثابتة تحدُّ من ظاهرة التعدّي الجماهيري على المكانة الاعتبارية لأي فريق يمثل محافظته وجمهورها بأطيافهم المتنوعة.
مُشكلة اتحاد كرة القدم أنه بُني على معيار كتلوي مُتخنّدق في جميع دورات مجالس إداراته الثلاثة ، ولا يمكن الهروب من المصارحة والمجاهرة بذلك ، كُتل مصلحية نمت قبل 13 عاماً ورصّعَت تشكيلاتها بألوان مختلفة كُل همّها الدفاع عن منافع اعضاء الاتحاد ولا يهزّ اجفانهم مشهد احتراق جمهورية اللعبة المزعومة بعيدان ثقاب الشغب المقيت الذي تكرر في أكثر من مناسبة ولم يتوقف. وبالمناسبة لا يعني أن ينجم عن الشغب سفك الدماء وازهاق الأرواح وتكسير مقاعد المدرجات أو التحشّد وسط الملعب كما حصل في عدد من ملاعب العالم . فالهتاف العنصري أخطر مظاهر الشغب قتلاً لانتماء المواطن لبلده ، والحكومات في الخارج سنّت مواد دستورية تُجرّم من يتبنّى التمييز العنصري ويحرّض عليه ويمارسه دون التفريق إن كان في ملعب او مصنع او شارع ، وانظمة مؤسسات دولية مهمة مثل (فيفا) تقف بشدة لمنعه بشتى الأساليب، والأخير يطالب الاتحادات الأهلية بانزال عقوبات الغرامة أولاً بحق النادي المخالف، ويُبدي مواقفه من دون لبس بأنه ضد التمييز من دون استثناء ويحاربه ، واشترط أن تصدر لجان الانضباط عقوباتها بالتدريج ضد النادي والجمهور غير الملتزمين بهذا الأمر حال وقوع الحادثة.
وبناءً على ضوابط (فيفا) يجب أن يصدر اتحاد الكرة عقوبة الغرامة المالية على نادي النجف مع حرمان جماهيره في المباراة التالية، وفي حال استمر الجمهور بالهتاف العنصري تُخصم نقاط عدة من الفريق، وإذا تكرر في المرة الثالثة عندها يُصدر قرار بهبوط الفريق إلى درجة أدنى، وكل ذلك يتوقف على كفاءة الاتحاد ومدى مقدرته المهنية في تطبيق العقوبات الصارمة بالتدريج والمفترض أنها مُعمَّمة على جميع الأندية، أما أن يُشغل الشارع الرياضي بعبارات التأسّف وتقديم الاعتذار ( غير المبرر ) الى إدارة نادي أربيل كونه الجهة الراعية لجميع الأندية والمطالب بالدفاع عن حقوقها ويُبدي حرصاً شكلياً على خلو الملاعب من مظاهر الشغب والتمييز العنصري ، فإنه يؤكد فشله في إدارة الأزمات ويكتفي بتطبيب الخواطر ببيانات للنسيان.