في مطار بيروت، التقيت احدَ الاساتذة، الخبراء المعتمدين لدى وزارة التربية والتعليم بوضع المناهج الدراسية، وهو بشهادة صديقي(أستاذه وزميله فيما بعد) والذي يعرفه عن قرب كواحدٍ من أفاضل التربويين في العراق، حيث اختارته منظمة بريطانية تعليمية لهذا الغرض. وعلى مصطبة الانتظار راح يحدثني عن شجونه في الدورة التدريبية، التي أقيمت في بيروت، واشترك فيها عدد من الاساتذة من جميع محافظات العراق، وكان هو احد محاضريها، راح يتحدث بهموم وشعور بالخيبة والخذلان وعدم الأمل بوصول التعليم الى مراحل متطورة جراء الاساليب الفاشلة والفاسدة التي تعتمدها الدولة، فقد تبين أنَّ عدداً من البرلمانيين، الذين لا علاقة لهم، لا من قريب ولا من بعيد بالتعليم وفلسفة التربية وتفاصيل وضع المناهج تم اشراكهم في الدورة التدريبية الخاصة هذه.
وفي الطابور،عند مكاتب الخطوط الجوية، كنت رأيت هؤلاء، مع زوجاتهم بجوازاتهم الحمر، هو يسحبون حقائبهم، يتقدمهم احد معاونيهم، مسهلّاً لهم إجراءات الختم ولصق البوردنات. يقول الاستاذ الخبير في المناهج بأن زوجة أحد البرلمانيين تعشّت ثلاث مرات، وكانت تحتج على نوعية الفندق الذي تسكنه ونكهة الطعام الذي تلتهمه. طبعا، لا علاقة لهذه ولا لزوجها بقضية المناهج، هم فرضوا من البرلمان على الدورة، يقول الاستاذ: أي البلاد هذه ؟
وفي شارع الفراهيدي بالبصرة، التقيت احد أساتذة الاقتصاد السابقين في الجامعة، من الذين اضطرتهم الظروف الى مغادرة العراق والإقامة في امريكا، شخصية أعرفها عن قرب، بحسه الوطني، فضلاً عن علميته واحاطته وإلمامه بأدق تفاصيل الاقتصاد، ومقدرته- لو أتيحت له الفرص- على وضع أفضل الخطط لإنقاذ الاقتصاد العراقي، التقيته ليحدثني عن وجود شخصية بعثية سابقة، في مفصل اقتصادي مهم بالدولة اليوم، هذه الشخصية، بحسب روايته هي اقل ما يقال عنها بانها كانت سببا في إيصال شخصيات وطنية اقتصادية ومصرفية الى السجون والإعدامات، أيام النظام السابق، وهو(الشخصية)لا يملك شعوراً وطنياً، فضلا عن اخفاقه وفشله في إدارة أقسام صغيرة، ولا يملك في تاريخه الشخصي ما يؤهله للمنصب الرفيع هذا.
صمت صديقي حين علقت مستهجناً، متندراً، في صفحته على الفيسبوك، بمناسبة زيارة عضو البرلمان، المنقّبة، المحجّبة، المقفّزة (لابسة القفاز الاسود) القابعة تحت عباءتها من رأسها لأخمص قدميها، والتي كانت تعد المسرحيين والفنانين البصريين بمستقبل زاهر، خلال زيارتها الاستثنائية، وتفقدها لواقع الثقافة والمثقفين في المدينة ، حاضرة الدنيا، البصرة، التي لا تعرف عنها سوى تمثال السياب ومسجد السيد علي عبد الحكيم وضريح عبد الله ابن علي وجامع الخطوة.
أي البلاد هذه؟ أقول: ولا يبعد شارع الثقافة في البصرة سوى أمتار قليلة عن المبنى الحكومي، حيث مكتب المحافظ ورئيس المجلس ورئيس اللجنة الثقافية، لكن أحداً منهم لم يأت الشارع هذا يوما، لم يشتر كتاباً واحداً، من عشرات الأكشاك، لم يطلع عن واقع الثقافة في المدينة التي تعتمل أنشطة وتمور مدنية وتحضرا وتزود الثقافة العراقية إن لم نقل العربية بأجمل الأسماء في الشعر والرواية والرسم والمسرح والفنون الأخرى. أي بلاد هذه؟
أي البلاد هذه ؟
[post-views]
نشر في: 17 ديسمبر, 2016: 09:01 م