كان المرحوم عبد الإله أحمد يتحدث كثيرا عن كتاب انتهى منه، وهو بكامله عن الجيل الستيني في العراق، وقد اسماه، كما اكد مراراً، بـ"قصة الجيل الستيني". اتذكر جيدا محاضراته علينا، نحن طلبة الدكتوراه بكلية الاداب/ جامعة بغداد، وربما لم تمر محاضرة دون ان يأت
كان المرحوم عبد الإله أحمد يتحدث كثيرا عن كتاب انتهى منه، وهو بكامله عن الجيل الستيني في العراق، وقد اسماه، كما اكد مراراً، بـ"قصة الجيل الستيني". اتذكر جيدا محاضراته علينا، نحن طلبة الدكتوراه بكلية الاداب/ جامعة بغداد، وربما لم تمر محاضرة دون ان يأتي على ذكر ذلك الكتاب.
كان يشدد دائما انه قد انتهى منه، وقد اتذكر الان انه قال مرة ان الكتاب لا تنقصه سوى المقدمة. وهذا ما اكدته لي السيدة الفاضلة دكتورة نادية العزاوي التي كلفها بالتصرف بمكتبته، وان تجد ذلك الكتاب وتضع له مقدمة مناسبة وتدفعه للنشر. كان هذا الكلام قبل اسبوع او اثنين من سفره للعلاج. ولست ادري لماذا لم ينشر الراحل ذلك الكتاب في حياته، ان كان الكتاب قد اكتمل عنده بالفعل! نعم، انه امر يظل اشبه باللغز، بالضبط مثل لغز اختفاء ذلك الكتاب. فبعد وفاته كان لابن شقيقه ان يتصل بالدكتورة نادية العزاوي، ويذكرها بوصية المرحوم، وهي التي لم تنس لكنها آثرت ان يأتي الاتصال منه، وهذا ما حدث. فكان ان اختارت كلية الآداب/ بجامعة بابل مكانا مناسبا لإيداع المكتبة عندهم على سبيل الاهداء؛ ففي بابل كُرم الرجل وتم الاحتفاء به في اتحاد ادباء بابل، ثم ان احد اصدقائه كان عميدا لآداب بابل، وهو دكتور عدنان العوادي، الذي لم يصبر سوى دقائق معدودات في شقة المرحوم ببغداد، ثم تنحى جانبا بعد ان فرت الدمعة من عينيه، ليقول لهم: ما كنت احب ان ادخل بيتا غاب صاحبه. ثم خرج من الشقة وظل ينتظر حتى انتهى العمال بمعية دكتورة نادية ودكتور عباس الدده، معاون العميد بكلية الآداب انذاك، وهو من الف عن الراحل كتابا بعنوان: "عبد الاله احمد: ريادة اخرى". قبل ذلك كانت دكتورة نادية العزاوي قد سألت ابن شقيقه عن الكتاب فانكر معرفته بالأمر، والرجل كان ابعد الناس عن دائرة اهتمامات عمه الفكرية، ثم بحثت بنفسها في مكتبة الراحل وفي شقته كلها عن ذلك الكتاب المكتوب على دفتر مدرسي، لكنها لم تصل الى نتيجة.
فهل ضاع الكتاب؟ كان الكتاب موجودا حتى سفره، انا اشهد بذلك، وفي لقائي الاخير به، وقد ذهبت الى شقته لا حصل على تمديد اضافي حتى اكمل اطروحتي، تحدث الرجل عن الكتاب، وكيف انه سيجري عملية خاصة كبرى، ولا احد يعرف ماذا سيحدث بعدها؟ في لحظتها عجبت لان الرجل يفكر بأوراق لم تكتمل وليس بينه وبين الموت سوى اشهر. قال انه يتأسف لانه لم ينشر الكتاب، وتحدث عن فرص كثيرة أتيحت امامه لطبع الكتاب، اخرها، ربما، وجود صديق له على راس الموسوعة الصغيرة "صار اسمها لاحقا الموسوعة الثقافية". ما يهمني هنا، ان اؤكد واشدد ان الكتاب كان في شقة الراحل حتى سفره، واكثر من هذا انه بعد عودته من العلاج، وقد زرته غير مرة، وفي زيارتي الثانية له عاد للحديث عن الكتاب، وانه يفكّر الان بنشره. فاين ذهب الكتاب، اين انتهى مصيره، بعد ان نقلت مكتبته الى كلية الآداب/ بابل؟ تجزم السيدة الفاضلة دكتورة نادية العزاوي انها كانت مع العمال بمعية دكتور عباس الدده، وهم يرزمون الكتب وينقلونها الى شاحنة كانت تنتظر اسفل العمارة. ظلت الدكتورة حتى الثانية ظهرا، ولم يبق من المكتبة سوى القليل، ولم يكن فيها الدفتر المذكور. فاين ذهب الكتاب؟
هل من الضروري ان اشدد ان لا احد يعرف بقصة الكتاب بالصيغة التي ذكرتها سوى اربعة اشخاص، هم: الراحل نفسه، مؤلف الكتاب دكتور عبد الإله احمد، ودكتورة نادية العزاوي، ودكتور عباس الدده بحكم ان دكتورة نادية اخبرته بالأمر عسى ان يجده العمال، وهم يرزمون الكتب، وانا آخر العارفين بقصة الكتاب.. فاين ذهب هذا الكتاب؟
يؤلمني ضياع هذا الإرث، والأكثر إيلاما ان الرجل ذهب دون ان يترك احدا يطالب بحقه، ان يطبع كتابه الاخير ويحمل اسمه، لا ان نجده ذات يوم منشورا باسم آخر، او ان يتحول الى رسالة جامعية او اطروحة دكتوراه.
اتمنى على من لديه اية معلومة عن مصير هذا الكتاب ان يتفضل بها علي، عسى ان نجد الكتاب ونضعه تحت تصرف من اراد الراحل نفسه ان تتصرف بكتابه، وهي دكتورة نادية العزاوي، بان تكتب له مقدمة وينشر باسم الراحل. املي كبير ان لا تخفوا اية معلومة عن الكتاب، ولنتذكر قول النبي محمد: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له."، والرجل ترك وراءه صدقات جارية، وليس صدقة واحدة، انما لم يترك ولدا يطالب بحقه، وفي كتابه المفقود بعض هذا العلم.