(3-3)
قلت لفرويد: خذْ سيدي هذا المثل العربيّ الوجوديّ عن الجمال: "إنّ من الحُسْن شقوة"، وذلك أن الرجل، يقول الميدانيّ، "ينظر إلى حسنه فيختال فيعدو طوره فيشقيه ذلك ويبغضه إلى الناس. ولستُ متفقاً مع هذا الشرح.
قال فرويد: فما هي الشقوة؟
قلت لفرويد: شقا في (لسان العرب ( والشَّقاءُ والشَّقاوةُ، بالفتح، ضدُّ السعادة، يُمَد ويُقْصَرُ، شَقِيَ يشَقَى شَقاً وشَقاءً وشَقاوةً وشَقْوةً وشِقْوةً. وفي اللهجة العراقية (الشقاوة( هو (القبضاي)، وفيها الفعل "يتشاقى" أي يمزح، وهو موجود في لسان العرب، شاقَيْت فلاناً مُشاقاةً إِذا عاشَرْتَه وعاشَرَك.
قال فرويد: تعاسة الجمال، موضوع وجوديّ حقاً. نتذكر جميعاً شعر رامبو "أقعدتُ الجَّمَال على ركبتي، فألفيته مراً، فهجوتُه".
قلت لفرويد: لكن هذه المرارة وتلك الشقوة، لا تنبعث إلا عبر وعي الجميلة والجميل أن كينونته يُنظر لها خلال بُعْد واحد وحيد. يتطلب الأمر إمكانيات داخلية، غير الجَّمَال، لا يُنظر لها بجدية، مما يسبب الألم.
قال فرويد : لنقلْ إنه ألم قادم من وعي مزدوج، بسطوة الجمال، وإمكانيات الذات. وهنا شرط تلك التعاسة الوجودية.
قلتُ لفرويد: ولنقلْ كذلك إن الجميلين والجميلات يكتفون، عملياً، ببُعد ظاهريّ واحد، لفترة طويلة، وصولاً إلى اليوم الذي يُدركون فيه أنهم توقفوا في الحقيقة أمام بُعْد يتيم من إنسانيتهم. والأمر برمته يستدعي، لا محالة، مفهوم الدميم مقابل الجميل.
قال فرويد: يبدو لي أن هناك علاقة ما بين (الدميم( و( الذميم).
قلتُ لفرويد: نعم، وقد عرفها العرب، فذكر اللسان حرفياً "الدميم، بالدال، في قدّه ]جسده[، والذميم في أخلاقه " .
قال فرويد: علاقة لا يمكن قبولها بسهولة. ولا أرى أن التفسير بكافٍ، بسبب تعقُّد العلاقة ونسبيتها، إذا قصدنا بالدمامة القبح عكس الجمال الفيزيقي.قلتُ لفرويد : أتفق معك. خذ أصل الفعل دمم، ودمّ يدمّ دماً أي أسرع. والدمة هي القملة الصغيرة أو النملة. والدمة هي الرجل الحقير القصير، كأنه مشتق من ذلك. ورجل دميم أي قبيح، وقيل حقير، وقوم دمام، والأنثى دميمة، وجمعها دمائم ودمام أيضاً. وما كان دميما ولقد دم وهو يدم دمامة، دممت بعدي تدم دمامة، وقوله) كضرائر الحسناء قلن لوجهها - حسدا وبغيا إنه لدميم!) إنما يعني به القبيح، ورواه ثعلب لذميم، بالذال، من الذم الذي هو خلاف المدح، فرُدّ ذلك عليه. وقد دممت تدم وتدم ودممت ودممت دمامة، في كل ذلك، أي أسأت. وأدممت أي أقبحت الفعل. يقال أساء فلان وأدم أي أقبح، والدميم القبيح. وقد قيل (دممت يا فلان تدم). دممت يا فلان تدم وتدم دمامة أي صرت دميماً، وأنشد ابن بري لشاعر (وإني، على ما تزدري من دمامتي - إذا قيس ذرعي بالرجال أطول). دميم من دممت على فعلت مثل لببت فأنت لبيب. وفي الحديث كان بأسامة دمامة، فقال النبي )قد أحسن بنا إذ لم يكن جارية)، الدمامة، بالفتح القصر والقبح، ومنه حديث المتعة (هو قريب من الدمامة). وفي حديث عمر (لا يزوجن أحدكم ابنته بدميم).قال فرويد : أرى أن حديث عمر يقصد بالدميم الدلالتين كليهما، القبح الفيزيقيّ والقبح الأخلاقيّ أي المُسِيء.قلتُ لفرويد : فلماذا رأيتَ، سيدي، هذا الرأيّ؟
قال فرويد: لانّ من النادر أن لا يقع تزويج النساء برجال دميمين فيزيقياً، في الموروث العربيّ. ولأن الدمامة مما أكثروا الحديث عنه عند النساء، بينما عن الرجل قليلاً.قلتُ لفرويد: كوازيمودو بطل رواية "أحدب نوتردام" الرومانسية الذي وقع في في حبّ شابة جميلة، كان موضوعاَ شيّقاً للتحليل النفسيّ.قال فرويد: أتفق معكَ، لأن الدمامة هي، بطريقة ما، منفى داخليّ وعزلة وجودية، عَبّرت الرواية عنها عبر تقوقع كوازيمودو بين جدران الكاتدرائية.
لسان العرب حسب سيغموند فرويد: مفهوم الجمال
نشر في: 23 ديسمبر, 2016: 09:01 م










