TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الطاقة السحرية للكلمات

الطاقة السحرية للكلمات

نشر في: 24 ديسمبر, 2016: 09:01 م

1
اعتقد السومريون أن الكلمة الأولى ولدت ( متخفية )  بين نبات القصب  والبردي في الأهوار  وكانت الكلمات في رؤى السومري وتخيلاته مختبئة بين أنين القصب وحفيف الصفصاف ومختلطة مع  شدو طيور الماء  وأصوات الطبيعة   ، فعزم على  اقتناصها  وتحريرها  من  فوضى الطبيعة  وتطويعها ،  فقام  أول كاتب في العالم بقطع رأس القصبة بشكل مثلث وهيأ قطعة طين طري من شاطئ الفرات ، ورسم على الطين  أول حرف أو رمز  في تاريخ البشرية ، ومن تلك اللحظة ولدت الكتابة مع أول  شكل رسمه ذلك الكاتب المجهول بهيئة صورة  في نحو (3500)  قبل الميلاد ثم  طور الصورة إلى رموز ليكون بوسعها  استيعاب الأفكار المجردة والعواطف والصيغ الروحانية ، واستطاع بهذه الطريقة  تدوين نوازعه ورؤاه  وكتابة أول سلم موسيقي  وأولى قصائد  العشق ، ثم استخدم  الكلمات في الطقوس السحرية و الدينية والضراعة  لاعتقاده  بالطاقة  العظيمة التي  تنطوي عليها كلمات اللغة .
كان السومريون وأقوام المايا و الأزتيك  ومعظم الحضارات الابتكارية في الهند والصين  ينسبون إلى الكلمات قوى سحرية خارقة ويستخدمونها في الطقوس  والشعائر  لاستجلاب المطر والنصر والحب  والخصب  والوفرة ،حتى ان التقليد البابلي والسومري كان  يؤكد على قوة الاسم وقدرته على التسبب في الخير والشر لصاحبه  ، فكانوا  يطلقون أسماء  علنية  على الأبناء  للاستخدام بين الناس  ويخفون الاسم الحقيقي  المسجل في  اختام العائلة  ، ليحولوا دون استخدام  الاسم  في السحر الشرير فنجد  لديهم  أسماء مزدوجة  من أجل اتقاء الشرور..
2
  من الصعب أن نتخيل كاتبا يحرم  من  الكلمات ، فتلك عقوبة  ترقى إلى مصاف التعذيب النفسي ، فما معنى حياة الكاتب دون الكلمات ؟؟ لايدرك  وجع الحرمان  من  الكتابة  ومرارة العجز عنها  سوى  كاتب  سُرِقت من  روحه الكلمة ، لايحس آلام  فقدان الكلمة سوى  شاعر عجز عن  قطف  الكلمات اليانعة  من شجر اللغة وحيل بينه وبين اقتناص المعاني بتعطيل مخيلته؛ فإن شئت للكاتب قصاصا ينهك قلبه  ويوجع جسده  فيمكنك ان تحرمه من كل وسيلة للكتابة  وبذلك تسلبه معنى وجوده  وتقطع  نبض الحياة الحيوي عن جسده، فالكاتب لايجد أمانا إلا في صحبة الكلمات الجديدة ، اسجنه ، ولكن امنحه قلما وورقا فسوف يحيا ، ضعه  في معزل عن كل وسائل الاتصال وامنع عنه الورق والأقلام  فسوف يذوي وتذبل روحه وتفتر همته ، ففي تدوين الكلمات والأفكار أمان لقلب الكاتب وروحه فبالكلمة الساحرة يقتنص  المعنى ويبتكرالدهشة، وبالكلمة  يزدهر الكاتب وتتشكّل شخصيته  من  طراز لغته  وتنويعاتها وعليها تقوم  أحلامه وتنبثق خلاصات الفكر.
  نزدهر بالكلمات او نندحر ، نرتقي بها  أن تنحدر بنا او تخذلنا فبالكلمات  تحددت المصائر  وبها صنعت مفردات الحضارة ومبتكرات العقل وبها نتحدى وحدتنا وأحزاننا ، بالكلمات يُدان الناس او يحظون  بالبراءة  وبالكلمات نبرر افعالنا وأخطاءنا وأهواءنا، وبها نُغوى  وبسحرها  تغمرنا النشوات أو نركن إلى الآمال العظيمة ، وعندما ينطق طفل أولى كلماته نحتفل بالنطق المتعثر واللثغة  الفاتنة ونعترف به  إنسانا بإمكانه التواصل مع الناس والمضي في الحياة ، الكلمات  سرنا الأول  ووسليتنا  في عبور الزمن  إلى مبتغانا.
تطويع الكلمات لتجسيد الأفكار والرؤى والأحلام  مهمة ليست باليسيرة ولايمسك بها غير الشاعر الفنان والكاتب الرائي  والروائي  المنضبط  مثلما  يمسك المؤلف  الموسيقي بالنغمة الصحيحة متفاديا  خلل النشاز، فجمال الكلمات لايقدح شررُه دونما فكر  واقتدار في القول وبراعة في استخدام المفردة  لإطلاق موسيقاها  الخفية  وسحرها  الكامن  في  ذاكرة  البشر ومخيلات المبدعين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram